ماذا يعني أن تخسر أميركا الهند لمصلحة الصين؟

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية – متابعة مها سلطان:

هل سقط رهان الولايات المتحدة الأميركية على الهند بصورة نهائية؟
بالنسبة للأميركيين المسألة باتت أكبر وأخطر من مسألة سقوط رهان عندما تحول هذا الرهان لمصلحة الصين «الخطر الاستراتيجي الأول» وفق التصنيف الأميركي.
يوم الجمعة الماضي أقر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخسارة الهند وروسيا لمصلحة الصين، ونشر على منصة «تروث سوشيال» صورة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، أرفقها بتعليق يقول: «يبدو أننا خسرنا الهند وروسيا أمام الصين، أعمق وأظلم قوى العالم، أتمنى لهما مستقبلاً طويلاً ومزدهراً معاً».
وكانت العلاقة بين الجانبين تدهورت بسبب الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الهند، واصفاً اقتصادها بالميت، فيما نشرت وسائل إعلام هندية أمس أن مودي لن يحضر اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة المقررة في الأيام العشرة الأخيرة من أيلول الجاري، وسيرسل من ينوب عنه، قد يكون وزير الخارجية، واعتبر أن امتناع مودي عن الحضور سببه عدم رغبته في لقاء ترامب.
عملياً، تحتل الهند مساحة مهمة ضمن السياسات الخارجية الأميركية، ليس فقط على مستوى الاقتصاد بل على مستوى الصراع القائم مع الصين تحديداً (وروسيا بطبيعة الحال)، وتتمتع الهند بعلاقات جيدة جداً مع كلا الدولتين.
حول هذه المسألة التي باتت تتخذ طابعاً حساساً بالنسبة لإدارة ترامب، كتبت صحيفة «نيوز ويك» مقالاً اليوم تحت عنوان «تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والهند منعطف سياسي خاطئ».
وقالت: عندما زار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي البيت الأبيض في شباط 2025، كانت الزيارة حدثاً عظيماً، مليئاً بالفخامة والاحتفالات، كما أثمرت عن نتائج ملموسة، بما في ذلك تفاهم جديد حول التعاون الدفاعي بين واشنطن ونيودلهي، والتزام مشترك بتوسيع التجارة الثنائية، وإطلاق شراكة جديدة في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، وبدت الشراكة الهندية – الأمريكية قوية.
لكن ذلك كان في الماضي، أما الآن فقد تدهورت العلاقات بين واشنطن ونيودلهي بشكل كبير لأسباب سياسية واقتصادية.
لقد حاول ترامب علناً وأكثر من مرة نسب الفضل لنفسه في تهدئة المواجهة العسكرية التي اندلعت في أيار 2025 بين الهند وباكستان بشأن منطقة كشمير المتنازع عليها. ولكنه كان يناقض تصريحات الهند وإصرارها بأنه لم يكن هناك أي تدخل من طرف ثالث للوساطة بين البلدين.
ومن الأمورِ المزعجة الأخرى التقارب الدبلوماسي رفيع المستوى الذي يبدو أنه جارٍ الآن بين واشنطن وإسلام آباد. فمنذ بداية الصيف، استضاف ترامب مرتين قائد الجيش الباكستاني الجنرال عاصم منير في البيت الأبيض، متيحاً بذلك وصولاً سياسياً غير مسبوق إلى خصم الهند الإقليمي، ومثيراً مخاوف نيودلهي من أن باكستان قد تصبح في نهاية المطاف الشريك المفضل لأمريكا في جنوب آسيا.
ويلوح نزاع تجاري خطير في الأفق، ففي تموز الماضي، فرضت إدارة ترامب تعريفة جمركية متبادلة بنسبة 25% على البضائع الهندية بعد فشل المحادثات الاقتصادية بين البلدين في إحرازِ تقدم جاد، وقد تضاعفت هذه التعريفات الشهر الماضي إلى 50% بسبب استمرارِ واردات الهند من النفط الروسي.
ورداً على كل هذا، تتجه الهند الآن شرقاً نحو الصين، وأشارت شانتي مارييت ديسوزا، من معهد مانترايا للدراسات الاستراتيجية، إلى أن «عملية تطبيع العلاقات الثنائية انطلقت» بين بكين ونيودلهي خلال الأشهر القليلة الماضية.
في إطار هذا التحول، استأنف البلدان اتصالات رفيعة المستوى، ورمّما بشكل رئيسي علاقاتهما الحدودية المشتركة «والتي كانت متوترة تاريخياً» بل وبدأا بالتفكير في شراكة استراتيجية محتملة، ورحب الصينيون مؤخراً بمودي في اجتماع منظمة شنغهاي للتعاون الذي انعقد في تيانجين في 31 آب الماضي. وهذا من شأنه أن يقرب الهند من الصين ويبعدها عن أمريكا التي أدركت أهمية الهند في سياستها الخارجية.
إن موقع الهند في قلب المحيط الهندي، الذي يمر عبره أكثر من نصف التجارة البحرية ومعظم واردات الصين من النفط، يجعلها لاعباً رئيسياً في ضمان حرية التجارة الإقليمية، كما أن الهند هي الدولة الإقليمية الوحيدة التي تتمتع بحجم سكاني وقدرة عسكرية وإمكانيات اقتصادية كافية لمنافسة الصين الصاعدة اقتصادياً واستراتيجياً، والهند هي أكبر ديمقراطية في العالم، ما يجعلها شريكاً طبيعياً للولايات المتحدة في الحفاظ على النظام الدولي القائم على القواعد.

وهذه السمات تمكن الهند من أن تكون ثقلاً موازناً للهيمنة الصينية في آسيا، وقد تجلى ذلك في استراتيجية الأمن القومي لإدارة ترامب لعام 2017، التي استبدلت رسمياً مصطلح «آسيا والمحيط الهادئ» بمصطلح «المحيطين الهندي والهادي»، وفي العام نفسه، أعاد البيت الأبيض إحياء الحوار الأمني الرباعي، جامعاً مسؤولين أمريكيين وهنوداً ويابانيين وأستراليين في تجمع استراتيجي يهدف إلى موازنة النفوذ الصيني، لكن حيوية هذا التكتل أصبحت الآن موضع شك كبير مع فتور العلاقات الهندية – الأمريكية.
وليس بالضرورة أن يكون البرود الحالي دائماً، فمن الواضح أن الهند تدرس رهاناتها السياسية بما يساير سياستها الراسخة المتمثلة في «الاستقلال الاستراتيجي»، وتحاول استغلال الخلافات مع واشنطن لتحسين موقفها التفاوضي مع بكين. ومع ذلك، فإن فكرة إعادة ترتيب العلاقات الصينية – الهندية، التي كانت في السابق فكرة بعيدة، لم تعد تبدو مبالغاً فيها اليوم.
في غضون ذلك، يبدو أن البيت الأبيض يراهن على أن نيودلهي ستلبي في النهاية رغباته. وربما ستفعل. لكن المسؤولين الصينيين يراهنون بوضوح على قدرتهم على تحييد دور نيودلهي الاستراتيجي لصالحهم، وإذا نجحوا في ذلك، ستجد أمريكا أن جهودها لاحتواء الصين، في آسيا وخارجها، قد باءت بالفشل.

Leave a Comment
آخر الأخبار