الحرية – مها سلطان:
يبقى الترقب حاضراً حيال جميع السياقات الدولية التي بدت إيجابية بصورة لافتة تجاه سوريا خلال الأيام الأخيرة الماضية، فهذه السياقات في مجملها لم تصل خواتيمها بعد، رغم أن بعض التطورات، كرفع العلم السوري الجديد أمام مقر الأمم المتحدة، تصنف في خانة اللحظات التاريخية، يُضاف إليها العديد من المواقف والتصريحات الإيجابية التي صدرت خلال جلسة مجلس الأمن، يوم الجمعة الماضي، والتي شاركت فيها سوريا الجديدة لأول مرة عبر وزير الخارجية أسعد الشيباني.
لم تكد جلسة مجلس الأمن الدولي تنتهي، حتى طالعتنا وسائل إعلام غربية، من بينها وكالة رويترز ووكالة بلومبرغ، بتقارير وتحليلات حول ما تضمنته رسالة سورية مكتوبة إلى إدارة دونالد ترامب بخصوص ما يسمى الشروط الأميركية مقابل رفع العقوبات عن سوريا (حملها رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس ورئيس لجنة القوات المسلحة الأمريكية كوري ميلز بعد زيارته دمشق الأسبوع الماضي ولقائه الرئيس أحمد الشرع).
وفي ظل عدم وجود تصريحات رسمية حتى الآن بخصوص المضامين والتوجهات، لم يكن لتصريح الخارجية الأميركية اليوم السبت أن يُقدم الكثير من العرض والشرح باستثناء أنه أكد تلقي واشنطن رداً من دمشق على المطالب الأميركية بخصوص «تدابير بناء الثقة» وأنه يتم تقييم الرد السوري، مع ربط تطبيع العلاقات بمسار «تحدده تصرفات السلطات المؤقتة». وحرصت الخارجية الأميركية على الإشارة إلى أن هذا كل شيء حتى الآن «وليس لدينا ما نعلنه في الوقت الحالي».
يأتي هذا في وقت باتت فيه الشروط الأميركية معروفة، بل معلنة بصورة رسمية وأمام جلسة مجلس الأمن الدولي، يوم الجمعة الماضي، والتي حضرها الشيباني كما ذكرنا آنفاً، وقد وردت في كلمة دوروثي شيا، القائمة بأعمال المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة.
ومن البداية كان واضحاً أن هذه الشروط بمجملها غير عصيّة على التنفيذ، وخصوصاً أن بعضها هو ضمن التوجهات السورية الجديدة (كإيران والكيماوي) فيما بعض الشروط تحتاج تفاهمات حسب القيادة السورية، بمعنى أن الباب مفتوح من قبل سوريا على التفاوض والتفاهم والتوافق، وهذا أمر منطقي في ظل أن بعض الشروط لها حساسيتها وتحتاج حسن تحكيم وتدبير، وهو ما تدركه واشنطن، وربما هي تعطي هذه الشروط الحساسة بعض الوقت، وهي بالعموم في مجمل سلوكها الأخير تبدو متعاونة إلى حد ما، رغم أن سلوكها يشوبه بعض التناقض، يعزوه فريق من المراقبين إلى انقسام داخلي في التعامل مع الملف السوري، بين متشدد ومعتدل.
اللافت هنا، أن موضوع التطبيع مع إسرائيل لا يرد بصورة مباشرة ضمن قائمة الشروط الأميركية، وإنما ضمناً في إطار ما يسمى سياسة عدم الاعتداء، وعدم تسامح القيادة السورية مع أي تهديدات للمصالح الأميركية والغربية. علماً أن موضوع التطبيع مطروح بصورة دائمة على طاولة المراقبين والمحللين الذين يرون أنه الملف الأساسي بالنسبة لإدارة ترامب في سياق تصريحاته حول توسيع اتفاقيات إبراهام.
بدورها القيادة السورية لا تتطرق لهذا الموضوع ولا تعلق على مجمل التصريحات التي تتوارد، وبينها أميركية، حيال احتمالات قبول التطبيع، وتفضل كما يبدو أن تترك كل أمر حتى يأتي أوانه. بالنسبة للمراقبين كان لافتاً- على سبيل المثال- أن القيادة السورية لم تعلق على تصريحات ميلز حول التطبيع وتقديم ضمانات أمنية لإسرائيل.. ولا على تصريحات النائب الأميركي مارلين شتوتسمان التي قال فيها إن سوريا قد تقبل التطبيع مقابل ضمان سيادتها ووحدة أراضيها (وتشكل الاعتداءات الإسرائيلية براً وجواً موضوعاً أساسياً في التفاوض وفي المطالب السورية).
علماً أن لشتوتسمان تصريحاً لافتاً قال فيه: أحمد الشرع لا يطلب المال من أمريكا، بل يطلب رفع العقوبات، وأعتقد أنه شيء يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار.
يشار هنا إلى أن زيارة الوفد الأميركي إلى دمشق، وكان من ضمنه ميلز، كانت بنظر المراقبين تطوراً واسعاً في مسار تطبيع العلاقات بين دمشق وواشنطن رغم ما تبديه إدارة ترامب من عدم وضوح، ربما كان متعمداً في سبيل مزيد من الضغط على القيادة السورية. هذا الأمر عززته تصريحات ميلز الإيجابية رغم إعرابه عن «تفاؤله الحذر» مقابل تأكيده السعي للحفاظ على حوار مفتوح مع الرئيس الشرع.
وهناك الكثير من الإشارات بخصوص إيجابية وجهة النظر التي نقلها ميلز إلى الإدارة الأميركية حول نتائج زيارته لدمشق ولقائه الرئيس الشرع، منها تصريح الخارجية الأميركية آنف الذكر، ومنها الترحيب الواسع والود المعلن تجاه وفد الخارجية السورية المشارك في جلسة مجلس الأمن الدولي.
لكن الوقت ما زال مبكراً للحكم أو للخروج بتحليلات نهائية، لتبقى حالة الترقب سيدة الموقف، علماً أن جل الترقب الداخلي والإقليمي يبدو متركزاً بصورة أساسية على مسألة التطبيع مع إسرائيل، باعتبارها المسألة الأكثر حساسية والتي تتوقف عليها تداعيات عربية إقليمية واسعة، سواء تحقق التطبيع أو لم يتحقق، ولأجل ذلك فإن أغلب تفاصيل هذه المسألة لا تخرج للعلن، فيما يشير فريق من المراقبين إلى انقسام إقليمي حيال التطبيع نابع من حالة المصالح وتضاربها على الأرض السورية، ما يلقي بمزيد من الضبابية، مُضافاً إليها الداخل السوري وما إذا كان السوريون يؤيدون عملياً تغيير كامل الاتجاه، في هذه المرحلة الانتقالية، وبعد معاناة لعقد ونصف العقد من حرب وحصار، وآمال في التعافي وإعادة البناء، تبدو بوابته الأساسية تغيير كامل الاتجاه نحو أميركا والغرب.. وقد يتم الاكتفاء بضمانات أمنية لإسرائيل من دون تطبيع، فكل شيء مرهون بمسار باب مفتوح على التفاوض والتفاهم.
مع ذلك، وكما قلنا ما زال الوقت مبكراً للحكم أو للخروج بتحليلات نهائية، ما زالت التطورات مفتوحة على جميع الاحتمالات وفق مسارات تفاوض عديدة بدأت في المنطقة، على رأسها المفاوضات الأميركية الإيرانية التي كانت جولتها الثالثة في سلطنة عمان اليوم السبت، وما ستفرزه هذه المسارات.
اللافت هنا أن القيادة السورية بالتوازي مع مسار التفاهم المفتوح مع واشنطن، والغرب عموماً، فإنها لا تربط جهودها الداخلية بهذا المسار، سوريا ومنذ تشكيل الحكومة في 30 آذار الماضي، تبدو وكأنها ورشة عمل متكاملة، جميع الوزارات تقريباً بدأت عملها على الأرض، والسوريون يلمسون تحسن حياتهم اليومية، وبما يوسع حالة التفاؤل والثقة بالقيادة من جهة، وبأن المرحلة المقبلة ستكون أفضل من جهة أخرى، وإن أخذ موضوع رفع العقوبات المزيد من الوقت.