الحرية– باسمة إسماعيل:
يشكّل إلغاء قانون قيصر لعام 2019 تحولاً مفصلياً في المشهدين الاقتصادي والاجتماعي في سوريا، لما يحمله من دلالات تتجاوز البعد السياسي نحو آفاق التعافي والتنمية وإعادة الثقة بالبيئة الاستثمارية، وفي هذا الإطار، يقدم الخبير الاقتصادي والمدرب الدولي في التنمية البشرية فادي حمد رؤية تحليلية شاملة لمرحلة ما بعد قيصر، مستعرضاً انعكاساتها المحتملة على الاقتصاد الوطني والنسيج الاجتماعي، ومحدداً شروط النهوض الحقيقي.
فرصة ذهبية إذا استُثمرت بشكل صحيح
وبيّن الخبير الاقتصادي، في تصريح خاص لـ «الحرية»، أن إلغاء قانون قيصر وما يتضمنه من رفع للعقوبات، يمثل الفرصة الذهبية الأهم لسوريا أرضاً وشعباً وحكومة، إذا ما جرى استثمارها بالشكل الصحيح. إذ شكّلت مثل هذه التحولات تاريخياً نقطة انطلاق كبرى للدول التي استطاعت توظيفها في مسارات التنمية والنهوض.
تتجاوز البعد الاقتصادي
وأوضح حمد أن تداعيات إلغاء القانون تتجاوز البعد الاقتصادي المباشر، مبيناً أن إلغاء قانون قيصر له أثر إيجابي على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية كافة، حيث يساهم في سد فجوات التضخم، ودعم التطوير الإنتاجي، وتعزيز قوة الليرة السورية، إضافة إلى تأمين فرص عمل جديدة وتحقيق درجة من الاستقرار في أسعار الصرف مقابل الدولار.
وأشار إلى أن هذا التحسن يبقى مرهوناً بسرعة الإنتاج وحسن استثمار الوقت في بناء قاعدة اقتصادية متينة.
نظرة شمولية
وأشار حمد إلى أن فهم ملف العقوبات يتطلب نظرة شمولية، قائلاً: إن الحديث عن رفع العقوبات لا يقتصر على قانون قيصر فقط، فسوريا خاضعة لعقوبات منذ عام 1980، إلا أن قانون قيصر شكّل الحزمة الأشد قسوة، وأدى إلى خنق شبه كامل لمفاصل الدولة، وانعكس مباشرة على حياة المواطنين، باستثناء فئات محدودة استفادت من معاناة الشعب.
آثار قيصر الاقتصادية والاجتماعية
وعن الانعكاسات الاجتماعية والثقافية، عبّر حمد قائلاً: من الزوايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، يرى السوريون في رفع العقوبات فرصة حقيقية لتعويض سنوات الفقر والتقشف والعوز، التي أضعفت النسيج الاجتماعي وأسهمت في انتشار ظواهر سلبية كالمخدرات والجهل والجريمة.
وأضاف: لقد صبر الشعب السوري طويلاً على آثار ما يمكن تسميته بـ «قيصر الاقتصادي»، ويتطلع اليوم إلى التحرر من هذا الحصار بما يفضي إلى استعادة الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
طمأنينة استثمارية
وفي الجانب الاستثماري، أكد حمد أن المرحلة المقبلة مرشحة لتحولات إيجابية، موضحاً أن رفع العقوبات يوفر مناخاً من الطمأنينة الاستثمارية، ويفتح الباب أمام تحرير حركة السلع ورؤوس الأموال، ويعزز الإقبال على الاستثمار في مختلف القطاعات، بعد أن أصبحت إزالة العوائق الكبرى أمراً واقعاً.
ولفت إلى ضرورة ضبط سقف التوقعات الشعبية، قائلاً: يعتقد البعض أن التغيير سيكون فورياً، وهو أمر يندرج في إطار التمنيات، بينما تتطلب المرحلة المقبلة وقتاً لتنظيم الخطط والبرامج، وإطلاق عجلة الإنتاج، وتعزيز الأمن الاستثماري، بما يضمن نمواً حقيقياً ومتدرجاً.
محددات التعافي
وختم حمد بالتركيز على محددات التعافي النقدي، مؤكداً أن قوة الليرة السورية في المرحلة القادمة تحددها حصيلة العائد الاستثماري المنتج والخدمي ومدى انعكاسه على الواقع الإنتاجي.
وأوضح أنه لا توجد اليوم عقبات حقيقية أمام بدء الإنتاج والتصدير، بالتوازي مع رفع الرسوم الجمركية عن المستوردات غير الضرورية دعماً للإنتاج الوطني، وتوسيع فرص العمل، وتحقيق التنمية المستدامة، وتطوير المؤسسات والكوادر البشرية.
مرحلة دقيقة وبداية لمسار جديد
بين الفرصة التاريخية والتحدي العملي، تقف سوريا أمام مرحلة دقيقة تتطلب قرارات مدروسة ورؤية اقتصادية شاملة. فإلغاء قانون قيصر، وفق رؤية الخبراء، ليس نهاية الأزمة بل بداية مسار جديد، تُقاس نتائجه بقدرة الدولة والمجتمع على تحويل الانفراج السياسي إلى تنمية اقتصادية وعدالة اجتماعية واستقرار مستدام.