الحرية – مها سلطان:
مع تواجد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن، ولقائه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اكتسبت التحليلات حول استئناف الحرب بين إيران وإسرائيل زخماً جديداً، ورغم أن التركيز الأساسي هو على قطاع غزة وفق المتداول، إلا أن إيران حاضرة وبقوة. وعموماً لم يتوقف حديث استئناف الحرب منذ هدنة 24 حزيران الماضي، سواء على مستوى المحللين أو على مستوى المسؤولين الدوليين بمن فيهم ترامب نفسه، كذلك على مستوى المسؤولين الإيرانيين والإسرائيليين.
الجميع تقريباً يتحدث بما يشبه الجزم عن أن الجولة التالية من الحرب ليست بعيدة وأنها ستكون أشد فتكاً وتدميراً لأنها ستكون جولة حسم نهائي، حيث يحتاج كلا طرفيها لتأكيد انتصار واضح المعالم والنتائج، وليس نهاية مشابهة للجولة الأولى، حيث يتسم وقف إطلاق النار بكثير من الغموض واللالتباس واللامنطقية ما يجعله هشاً وقابلاً للسقوط في أي لحظة.
الجميع تقريباً يتحدث بما يشبه الجزم عن أن الجولة التالية من الحرب ليست بعيدة وأنها ستكون أشد فتكاً وتدميراً لأنها ستكون جولة حسم حيث يحتاج كلا طرفيها لتأكيد انتصار واضح المعالم والنتائج
والسؤال الآن، هل أن جولة جديدة من الحرب ستستأنف بعد عودة نتنياهو من واشنطن، أم إن اللقاء بين ترامب ونتنياهو هو فعلاً مخصص لقطاع غزة وفقط؟
طبعاً الشق الثاني من السؤال ليس منطقياً في ظل أن كل المنطقة يتم النظر إليها ربطاً بقطاع غزة، فإذا ما أراد نتنياهو ومن ورائه ترامب استكمال مخطط تغيير وجه الشرق الأوسط فإن أي بحث متعلق بغزة أو لبنان (أو سوريا) لا بدّ أن يمتد إلى إيران، وتالياً فإن حديث استئناف الحرب لا بدّ أن يكون حاضراً، في حين أن ترتيبات هذا الاستئناف لا تبدو واضحة أو قابلة للتوقع، علماً أنه على الأكيد هناك مفاوضات تحت الطاولة (غير مباشرة) مع إيران، سواء من قبل الأمريكيين أو الأوروبيين أو أطراف عربية معنية بعدم احتدام الصراع بين الجانبين وبما ينعكس تداعيات كارثية على مجمل المنطقة.
البعض يقدر أن استئناف الحرب قد يكون على بعد أسابيع فقط.. شهرين ربما. على الأقل هذا ما توحي به نبرة التهديدات العالية ما بين الطرفين. مع ذلك فإن هذا المدى الزمني قد يعيد تحديده ما سيتم الاتفاق عليه ما بين ترامب ونتنياهو، هذا من جهة.. ومن جهة ثانية ما ستسفر عنه النتائج الأحدث على مسارات غزة لبنان وسوريا. ولا ننسى هنا تركيا، والعامل الدولي ممثلاً بالصين وروسيا.
كل المنطقة يتم النظر إليها- أميركياً وإسرائيلياً- ربطاً بقطاع غزة فإذا ما أراد نتنياهو ومن ورائه ترامب استكمال مخطط تغيير وجه الشرق الأوسط فإن أي بحث متعلق بغزة أو لبنان أو سوريا لا بدّ أن يمتد إلى إيران
عطفاً على الشق الثاني، يبدو أن ترامب عندما اتخذ قرار وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل وفقاً لهدنة لم يهتم كثيراً بتفاصيلها، وإنما أرادها عنواناً رئيساً فقط.. يبدو أن ترامب كان يعول (وربما ما زال) على انعطافة سياسية كبيرة على مستوى الإقليم، انعطافة تبعد شبح استئناف حرب هو بالأساس لا يريدها، فآخر ما يريده هو التورط بحرب غير مضمونة لناحية خروجها عن السيطرة المكانية والزمانية، وهذا ما يدلل عليه عمله في الأيام الأخيرة من الحرب (التي امتدت من 13 حزيران الماضي حتى 24 منه) على «خطة قصف» تقود إلى هدنة، وذلك عبر قصف المفاعلات النووية الإيرانية ثم السماح برد إيراني عليها، وصولاً إلى إعلان وقف النار، وبما يحفظ وجه جميع الأطراف، ويجعل كلاً منها قادراً على إعلان النصر متجنباً الحرج أمام الرأي العام الداخلي.
عندما اتخذ ترامب قرار وقف النار بين إيران وإسرائيل كان يعوّل على انعطافة سياسية كبيرة في المنطقة لكنها لم تتحقق حتى الآن وكلما تأخرت هذه الانعطافة كان استئناف الحرب أقرب
لكن هذا الإعلان نفسه الذي هندسه ترامب على أمل تحقيق انعطافة سسياسية، يهدد بعودة سريعة للحرب على فرض أن هذه الانعطافة السياسية لم تتحقق بعد، وكلما تأخرت فإن ذلك يعني اقتراب استئناف الحرب، هذا عدا عن أن إسرائيل تواصل الدفع باتجاه استئناف الحرب الذي تراه خياراً لا بديل عنه لتأكيد النفوذ، وتحييد إيران بصورة نهائية.
اللافت أن ترامب نفسه- الذي سعى إلى الهدنة- أعاد فتح ممر لاستئناف الحرب عبر حديثه (مع مسؤولين آخرين في إدارته) عن منشأة نووية رابعة لم يتم قصفها، وأن هذه المنشأة ربما هي من يحتضن برنامج التخصيب. إلى جانب تصريحات المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، من أن إيران ما زالت قادرة على استئناف إنتاج اليورانيوم المخصب خلال بضعة أشهر. ثم تصريح البنتاغون بأن الضربات على المنشآت النووية الإيرانية لم تقضِ بشكل كامل على البرنامج النووي الإيراني وإنما أخرته فقط لبضعة أشهر. وفي آخر تصريح للبنتاغون حدد فترة سنتين على أبعد تقدير لاستكمال هذا البرنامج.
هذه التصريحات تصب في مجمل التقارير المسربة التي أكدت أن الهجوم الإسرائيلي بالمجمل، والقصف الأمريكي للمنشآت النووية الإيرانية، لم يحقق هدف القضاء على البرنامج النووي الإيراني، رغم الضرر الشديد الذي لحق بهذه المنشآت خصوصاً فوردو، وفق التصريحات الإيرانية.
ولكن السؤال الذي يُطرح اليوم ليس ما إذا كانت المنطقة تتجه نحو جولة ثانية من الحرب الإيرانية الإسرائيلية، بل متى ستبدأ هذه الجولة، وهل سيتم استئناف الحرب وفق المعطيات والمسارات نفسها في الجولة الأولى، أي وفق التكتيكات ذاتها، أم إننا سنكون أمام جولة جديدة كلياً، في ظل أن كلا الطرفين لا بد أنهما أجريا تقييماً شاملاً لحرب الـ12 يوماً وما كشفته على مستوى مواطن القوة والضعف، وعلى المستويين الإقليمي والدولي، لناحية الاصطفافات المتوقعة.. ولناحية أن اندلاع جولة جديدة سيكون قائماً على انتفاء فتح قنوات تفاوض طالما أن الهدف هو تأكيد هوية المنتصر فيها؟
المعروف حتى الآن، ووفقاً للمعطيات القائمة أن إسرائيل هي من سيبدأ جولة ثانية من القتال وليس إيران، رغم أننا قد نشهد محاولات لجر إيران لتكون هي البادئة عبر عمليات استفزاز أو اغتيالات أو استهدافات.. الخ.
إسرائيل تعمل مجدداً باتجاه الحصول على موافقة أمريكية بمهاجمة إيران مجدداً فهل هذا ما سيركز عليه نتنياهو في واشنطن.. ما علينا سوى انتظار عودته ومراقبة التصريحات الأمريكية الإسرائيلية لتوقع ما ستحمل الأسابيع المقبلة
لكنها محاولات لن تنجح، إذ سبق لإيران أن تعاملت مع هذه النوع من المحاولات عبر ممارسة أقصى درجات ضبط النفس والاحتواء. ولأن الأسباب التي دفعت إسرائيل لمهاجمة إيران ما زالت قائمة (رغم ذلك الحديث الإسرائيلي عن تحقيق الأهداف المعلنة) فإنّ المسارات كلها تتجه نحو جولة ثانية، ولكن هل إسرائيل جاهزة، أو لنقل هل أن الظروف الداخلية والأمريكية ستدعم هذا التوجه الإسرائيلي.
من هنا تأتي زيارة نتنياهو لواشنطن ولقائه ترامب. هناك شبه توافق على أن قيام إسرائيل بمهاجمة إيران مجدداً يتوقف على عاملين: الأول جاهزية إسرائيل على المستويين السياسي والعسكري (والرأي العام فيها). ويمكن هنا ملاحظة أن الجولة الأولى لم تقدم إجابات واضحة، أو لنقل أنها أفرزت تآكلاً على هذه المستويات جرى ترميمه، خصوصاً عسكرياً في ظل استنزاف مخزون الصواريخ والذخائر.
والعامل الثاني هو النجاح في الحصول على موافقة أمريكية جديدة لاستئناف الحرب. وهذا ما سيركز عليه نتنياهو.
إذاً، لا بدّ من انتظار عودة نتنياهو. وكل ما علينا هو مراقبة التصريحات الإسرائيلية والأمريكية لتوقع ما ستحمله الأسابيع المقبلة.