ما وراء دعوة الشيباني لزيارة موسكو… روسيا تسابق الوقت وتوسع الاستعانة بتركيا لترتيب العلاقات ‏مع دمشق

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية – مها سلطان:
بعد انحسار مستمر منذ نهاية آذار الماضي بفعل التطورات المتلاحقة، عادت العلاقات السورية – ‏الروسية إلى دائرة الضوء مع الدعوة التي وجهها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لوزير ‏الخارجية أسعد الشيباني لزيارة موسكو، وذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية التركي ‏هاكان فيدان أمس الثلاثاء في موسكو، وفي حال تحققت الزيارة فستكون الأولى لمسؤول سوري رفيع ‏منذ الإطاحة بالنظام السابق.‏
لافروف لم يُعلن أي موعد محدد للزيارة، ما يعني أن الوقت مفتوح لتتم في أي وقت، أو لنقل إن لافروف ‏ترك للجانب السوري الباب مفتوحاً لتحديد الموعد وفق مقتضياته وأولوياته. ‏

رفع العقوبات الغربية عن سوريا أفقد موسكو هامش المناورة والتحرك… ما العمل وعلى ماذا تعوّل ‏روسيا في طلب زيارة الشيباني؟

انحسار التركيز على العلاقات السورية- الروسية لا يعني بالضرورة أن الاتصالات كانت مقطوعة، أو أن ‏قنوات الاتصال لا تعمل بدليل المؤتمر الصحفي للافروف وفيدان، وما جاء فيه من نقاط متعلقة بسوريا ‏والتي كانت مدار بحث بين الجانبين. كانت هناك تصريحات متبادلة على العمل والتعاون معاً لضمان ‏الاستقرار ووحدة الأراضي السورية وتحقيق الازدهار للشعب السوري. ‏
ومن دعوة الشيباني لزيارة موسكو يبدو أن روسيا تخطط لاستعادة مسار الاتصالات رفيعة المستوى مع ‏القيادة السورية الجديدة والذي كان قد بدأ نهاية كانون الثاني الماضي مع زيارة وفد رسمي روسي برئاسة ‏نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف لدمشق ولقائه الرئيس أحمد الشرع، وبعد اللقاء قال بوغدانوف إنه أجرى «محادثات بناءة وإيجابية» ومن نتائجها أنها نجحت في «إذابة الجليد» وأطلقت مسار ‏التفاوض حول ترتيب جديد للعلاقة بين روسيا وسوريا.‏
ثم كانت المحطة الأهم والمتمثلة بالرسالة التي بعثها الرئيس فلاديمير بوتين إلى الشرع وأعلن فيها ‏استعداد بلاده لتطوير «تعاون جدي وعملي» مع سوريا في كل المجالات، وقال حينها الناطق الرئاسي ‏الروسي ديمتري بيسكوف إن الرسالة حملت تأييداً لجهود القيادة السورية الموجهة نحو «تحقيق ‏الاستقرار السريع للوضع في البلاد بما يخدم مصالح ضمان سيادتها ووحدتها وسلامة أراضيها».‏
ورغم أن روسيا/ بوتين كانت أحد أبرز داعِمَين لنظام بشار الأسد «إلى جانب إيران» إلا أن الرئيس ‏الشرع اعتمد منذ البداية نبرة هادئة/ تصالحية إلى حد ما، مبدياً رغبته في بناء علاقات جيدة مع موسكو، ‏وبما يليق بتاريخها ومكانتها.‏
مع ذلك فإن العلاقات السورية- الروسية لم تنتظم بعد في مسارات واضحة، وفي الشهرين الماضيين بدا ‏وكأنها دخلت في حالة جمود، رغم أن التسريبات تشير على الدوام إلى أن هناك ترتيبات بعيدة عن ‏الأضواء وخصوصاً فيما يتعلق بالوجود الروسي في قاعدتي حميميم وطرطوس، وأن مباحثات هاكان ‏فيدان مع لافروف في موسكو ركزت على هذه النقطة، ويُقال إن روسيا بدأت بـ«نقل قاعدة حميميم إلى ‏مطار القامشلي شرقي الفرات» وإن القوات الروسية تنقل معداتها وجنودها منذ أيام إلى هناك. ‏
إذا كانت هذه التسريبات صحيحة فإن العلاقات السورية- الروسية دخلت طوراً جديداً، ولكنه ليس في ‏مصلحة روسيا بشكل عام، في حال المقارنة بين الوجود على الواجهة الساحلية وبين الوجود في منطقة ‏داخلية، وإذا ما أخذنا أن الوجود الروسي الجديد سيكون ضمن مناطق الأكراد (قوات قسد) فهذا يعني أن ‏العلاقات الروسية- التركية دخلت بدورها في طور جديد، وما يجري من مباحثات تركية روسية هو ‏لترتيب هذا الوجود من جهة، وتحسين علاقة روسيا مع النظام السوري الجديد (طبعاً نحن هنا نتحدث عن ‏الشق المتعلق بسوريا من مؤتمر لافروف/ هاكان الذي تناول أيضاً قضايا أخرى خصوصاً أوكرانيا ‏وغزة).‏
ويبدو أن روسيا في هذه الفترة تركن للنصائح التركية بخصوص سوريا بدليل تصريحات لافروف التي ‏قال فيها: «بناءً على الاقتراح الكريم من صديقي هاكان فيدان، عقدنا لقاءً في أنطاليا في نيسان الماضي ‏بحضور الشيباني، وهو الآن لديه دعوة لزيارة روسيا».‏
ورغم أن لافروف أشاد مع فيدان برفع العقوبات عن سوريا، مؤكداً أن لرفع العقوبات أهمية خاصة، إلا ‏أن هذا التصريح لا يبدو مُعبراً بصورة دقيقة عن قلق روسيا التي ترى أن رفع العقوبات قد يقود في نهاية ‏المطاف إلى خروجها من المعادلة الاقتصادية في سوريا، بعد خروجها من المعادلة العسكرية، خصوصاً ‏إذا ما صح نقل قاعدتها من حميميم إلى القامشلي، إلا إذا كان هذا الانتقال يأتي ضمن ترتيبات غير مُعلنه ‏باتجاه دور جديد لروسيا في سوريا (والمنطقة عموماً).‏

لنذكّر هنا بما أوردته صحيفة «وول ستريت جورنال الأميركية» مطلع آذار الماضي عن أن روسيا ‏تسعى لإبرام صفقة مع القيادة السورية الجديدة لإبقاء قواعدها العسكرية مقابل دعم اقتصادي ‏واستثمارات، وقالت الصحيفة الأميركية نقلاً عن مسؤولين أوروبيين وسوريين، إنه من ضمن المباحثات ‏حينها أن تدفع روسيا مليارات الدولارات نقداً إلى جانب استثمارات في حقول الغاز والموانئ السورية.‏
لكن كل شيء انقلب جذرياً مع رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن سوريا، وهو ما لم تكن تتوقعه ‏روسيا «أقله بهذه السرعة» التي بذلت جهوداً كبيرة لترتيب العلاقة مع دمشق قبل أن يحدث ذلك، ولكن ‏بعد حدوثه فإن روسيا فقدت هامش المناورة والتحرك وباتت أكثر حاجة لقنوات اتصال، وبعبارة أدق ‏قنوات وساطة، وليس هناك من مجال أمامها سوى تركيا التي نصحت روسيا بدعوة الشيباني لزيارتها.‏
سوريا لم تعلق على الدعوة، وقد تفعل بين يوم وآخر، وكلا الأمرين واردين، أن تتم تلبية الدعوة أو لا تتم، ‏لكن الاحتمالات الأوسع هي باتجاه تلبية الدعوة. صحيح أن هناك انفتاحاً أميركياً-غربياً بالكامل على ‏سوريا بعد رفع العقوبات، وهناك الكثير جداً من عروض الاستثمار والاتفاقيات المحتملة (وبعضها تم ‏توقيعه بالفعل) إلا أن القيادة السورية ربما ترى في روسيا ما يمكن أن يفيدها في هذا السياق نفسه، لكنها ‏لا تفصح عن الكثير وتترك كل أمر وفعل إلى وقته المناسب وتعلنه بالتوقيت المناسب.. كل شيء ‏محسوب، وهذا ما يعزز الثقة والتفاؤل لدى السوريين.‏

Leave a Comment
آخر الأخبار