الحرية- باسم المحمد:
لم يكن مفاجئاً ما أعلنه صباح اليوم وزير الإعلام الدكتور حمزة المصطفى عن وجود نحو 300 ألف حساب فاعل يعمل على نشر محتوى مضلل يتوزعون على 4 دول رئيسية، فالحرب على الشعوب لم تعد عسكرية فقط، وإنما بات عمادها انتهاج قصف العقول، وتوجيهها ضد مصالح المواطنين ودولهم.
الدليل الأكبر على صحة المعلومة التي كشفها وزير الإعلام هو أن المتابعين لمنصات التواصل الاجتماعي قد لحظوا انخفاض الخطاب التحريضي في الصفحات الموجهة للسوريين خلال الحرب الإيرانية- الإسرائيلية، ما يشير إلى أن أغلب الحسابات تعمل من خارج سوريا، وأن لها غرف عمليات سوداء تديرها بما يحقق أهداف الدول المعادية، بإضعاف الدولة السورية، وتفتيت نسيجها الاجتماعي.
بالتأكيد يوجد العديد من السوريين الذين يمكننا وصفهم بالجاهلين، يشاركون في بث سموم الفتنة من حيث يعلمون أو لا يعلمون، لأهداف شخصية منها زيادة عدد المتابعين والتفاعلات مع منشوراتهم، فالسير ضمن غريزة القطيع بات السمة الغالبة لدى المؤثرين لجذب أكبر قدر ممكن من الجماهير.
الدولة السورية وعلى أعلى مستوياتها كانت حريصة منذ اليوم الأول للتحرير، على بث الطمأنينة في نفوس السوريين، ودعتهم إلى التحاور والتعايش ونبذ روح الفرقة والابتعاد عن الثأر، وفي نفس الوقت أكدت أنها ماضية في طريق تحقيق العدالة الانتقالية حسب القوانين والتشريعات، واتخذت العديد من الخطوات، كالحوار مع ممثلين عن مختلف فئات الشعب السوري، والتلويح بمعاقبة مثيري الفتن والمحرضين.
الشعب السوري وعبر تاريخه العريق كان مثالاً يحتذى في تطبيق مفاهيم السلم الأهلي، وحرصه على نسيجه الوطني، وتجنب الفتن ومواجهتها، لا بل كان وجهة الكثير من الشعوب التي هربت من الحروب الأهلية في بلدانها الأصلية، لكن هناك نسبة لا بأس بها تجهل خفايا الحروب الحديثة الناعمة في فضاء الانترنت، وتسلم عقولها لأشخاص مشكوك في أهدافهم وتوجهاتهم.
طبعاً التعويل على وعي المواطنين وترك المجال أمام منصات التواصل الاجتماعي، هو أمر محفوف بالمخاطر، لذلك لا بد من تعميم سلوك مجتمعي يحمي الدولة والمجتمع، وهذا يتطلب اعتماد استراتيجيات إعلامية دينية تربوية ثقافية اقتصادية، تسهم في تنمية وعي الناس، وتدمجهم في بوتقة الوطن، توحد مصالحهم وأهدافهم في بناء نسيج مجتمعي يحمي الاستقرار ويضمن مستقبلاً واعداً لأبنائهم بعيداً عن التفرقة الهدامة.
من هنا يجب أن تتوحد وسائل الإعلام الوطنية لمواجهة هذه الحرب المدمرة، وأن تعمل على إنتاج خطاب وطني جامع، يجابه كل المتربصين بوحدتنا والمتلاعبين بمستقبلنا، عبر إنشاء منصات وطنية للتحقق، وترسيخها كمصدر للمعلومات، إضافة إلى الملاحقة القانونية لكل من يشارك في زرع الفتن وتأجيجها، وهذا يحتاج إلى ورشة وطن شاملة، تشمل جميع المؤثرين في تفكير السوريين من مثقفين وإعلاميين ووجهاء ورجال دين وفعاليات اقتصادية…