مجلس الإفتاء الأعلى يحسم الجدل حول “حذف الأصفار” من العملة الوطنية

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

الحرية – لوريس عمران:

في اللحظات التاريخية التي تمر بها النظم النقدية، تبرز الحاجة الملحة ليس فقط للقوانين الإدارية، بل للضوابط القيمية والشرعية التي تحمي حقوق الأفراد وتصون تماسك المجتمع. ومع إعلان الجهات المعنية عن إجراءات تنظيمية تطول العملة الوطنية، كان لزاماً على المؤسسة الدينية أن تدلي بدلوها لقطع الطريق أمام التفسيرات المغلوطة والممارسات الاستغلالية.

من هذا المنطلق، أشار الخبير الاقتصادي الدكتور حسام عيسى خليلو إلى أن المجلس العلمي الفقهي (الجهة المصدرة للفتوى) أصدر بياناً يرسخ مبادئ العدالة المالية، مؤكداً أن التحديث النقدي يجب أن يوازيه التزام أخلاقي صارم يحفظ الحقوق من الهضم أو الضياع.

تنظيم إداري لا يمس جوهر القيمة

وأوضح خليلو أن البيان حسم اللبس حول عملية حذف الصفرين من العملة الوطنية، معتبراً إياها إجراءً تنظيمياً تقنياً يهدف إلى تيسير المعاملات اليومية وتبسيط الحسابات المالية.

مبيناً أن هذا التوضيح يزيل المخاوف المتعلقة بتآكل الثروات، وأن التغيير يطول “الشكل الرقمي” للعملة دون أن يمتد إلى قوتها الشرائية الفعلية في سياق الالتزامات القائمة، حيث يضع هذا التوصيف الشرعي العملية في إطار “المصلحة العامة”.

صيانة الحقوق والالتزامات

وشدد الخبير الاقتصادي على أن كل أشكال الالتزامات المالية، من ديون مؤجلة، وعقود تجارية، ومهور مؤخرة، تظل محفوظة شرعاً وقانوناً، لافتاً إلى أن التحويل الحسابي من العملة القديمة إلى الجديدة يجب أن يتم بمعادلة دقيقة تضمن المكافأة التامة، بحيث يتحول الالتزام البالغ (مئة ألف ليرة) إلى (ألف ليرة جديدة) بشكل آلي، بما يضمن عدم تضرر أي طرف. بالإضافة إلى أن هذا التأصيل يقطع الطريق على أي محاولة للتنصل من الالتزامات السابقة أو المطالبة بزيادات غير مبررة تحت ذريعة تغير المسمى النقدي.

حرمة الاستغلال.. جدار حماية ضد التلاعب

ولفت خليلو إلى أن النقطة الأكثر جوهرية في البيان هي التصدي الحازم لظاهرة استغلال الفترات الانتقالية لرفع الأسعار. فقد اعتبر المجلس أن أي محاولة للانتقاص من حقوق الناس أو استغلال حالة التبديل لتحقيق أرباح غير مشروعة تندرج تحت باب “الظلم وأكل أموال الناس بالباطل”، وهو ما يقع في دائرة المحرمات شرعاً. وبذلك تتحول حماية المستهلك من مجرد رقابة تموينية إلى واجب ديني وأخلاقي، كون استقرار الأسعار ركيزة أساسية للأمن المجتمعي.

اليد باليد ومبدأ الفورية

وبيّن خليلو أن البيان الفقهي الدقيق أكد ضرورة التسليم والتسلم المباشر (يداً بيد) في حال تبديل العملات الورقية لضمان الشفافية. وفي الوقت ذاته، اعتبر ظهور الرصيد المحدث في الحسابات البنكية بمثابة “القبض الحكمي” الذي تبرأ به الذمة. حيث يعكس هذا الربط بين الفقه والواقع المصرفي وعي المؤسسة الدينية بآليات الاقتصاد المعاصر وحرصها على سد الثغرات التي قد تؤدي إلى النزاع.

نحو وعي مجتمعي يحمي الاقتصاد

إن هذا البيان لا يمثل مجرد توجيهات دينية، بل هو ميثاق أخلاقي لتعزيز الثقة بين المواطن والمؤسسات المالية، فنجاح أي خطوة نقدية يعتمد في جوهره على تكاتف الوعي المجتمعي مع الضوابط القانونية، ومع هذا الحسم، تقع المسؤولية اليوم على عاتق التجار والمتعاملين لترجمة هذه المبادئ إلى واقع عنوانه الأمانة، وغايته المصلحة العامة، وضمانته حفظ حقوق الجميع دون زيادة أو نقصان.

Leave a Comment
آخر الأخبار