الهواتف الذكية تجبر محلات التصوير الفوتوغرافي على التراجع.. خبير فني: الصورة باتت بمتناول الجميع

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية- بشرى سمير:

شهدت مهنة التصوير الفوتوغرافي في سوريا تحولات جذرية خلال العقد الماضي، حيث وجد المصورون المحترفون أنفسهم في مواجهة تحديات وجودية بسبب الانتشار الواسع للهواتف النقالة المزودة بكاميرات متطورة.
هذه الظاهرة العالمية أثرت بشكل خاص على السوق السوري الذي يعاني أساساً من ظروف اقتصادية صعبة وتداعيات الأزمة التي تمر بها البلاد، ما دفع العديد من أصحاب محلات التصوير إلى إغلاق استوديوهاتهم أو البحث عن مصادر دخل بديلة.

ثورة التقنية والتحول الرقمي

يقول محمد أبو السعود- مصور فوغرافي وخبير فني: أدى التطور التكنولوجي المتسارع في كاميرات الهواتف النقالة إلى تغيير المفاهيم التقليدية للتصوير الفوتوغرافي، فلم يعد التصوير حكراً على المحترفين أو مقتصراً على امتلاك كاميرات متخصصة باهظة الثمن، حيث أصبح الهاتف الذكي أداة متعددة الوظائف تتيح للجميع التقاط الصور ومشاركتها فورياً.
وقد ساهم الانتشار الكبير للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز هذه الظاهرة، حيث تحول التصوير من مهنة احترافية إلى هواية جماعية يمارسها الملايين.

تآكل الحصص السوقية

وأضاف: واجهت محلات التصوير التقليدية في سوريا انخفاضاً حاداً في الطلب على خدماتها الأساسية التي كانت تمثل مصدر دخلها الرئيسي. فلم يعد الجمهور بحاجة إلى مصور محترف لالتقاط الصور الشخصية أو صور المناسبات العائلية، حيث أصبح بإمكان أي شخص استخدام هاتفه المحمول لتحقيق نتائج مقبولة.
كما تراجعت بشكل ملحوظ الطلبات على الصور الفوتوغرافية المطبوعة التي كانت تمثل عصب هذه المهنة لسنوات طويلة.
من جانبه سعيد أحمد- صاحب استوديو تصوير أشار إلى معاناة مالكي استوديوهات التصوير نتيجة تراجع كبير في عدد العملاء، حيث لم يعد الإقبال كما كان في السابق.
وأضاف: كانت المحلات تعتمد على تدفق مستمر للعملاء الراغبين في التقاط الصور الشخصية أو صور العائلة أو صور المناسبات، أصبح هذا النشاط نادراً اليوم، ويشير جواد محمد صاحب محل أن الدخل الشهري لم يعد يكفي حتى لتغطية التكاليف التشغيلية الأساسية من إيجار وكهرباء وصيانة معدات.
ولفت إلى أن أغلب المحلات التقليدية تكابد للبقاء في السوق، حيث يضطر العديد من أصحابها إلى الاعتماد على مدخراتهم الشخصية أو اللجوء إلى القروض لمواصلة النشاط.
وقد اضطر عدد كبير منهم إلى تخفيض الأسعار بشكل غير مجدٍ لمجاراة المنافسة، ما أثر على جودة الخدمات المقدمة وأدى إلى تدهور مستوى المهنة ككل.
وقد أجبر هذا الوضع العديد من المحال على الإغلاق النهائي، خاصة مع تدهور القوة الشرائية للجمهور وتراجع الثقافة المجتمعية حول قيمة التصوير الاحترافي.

استراتيجيات المواجهة والتكيف

كما سعى بعض المصورين المحترفين إلى تطوير مهاراتهم والتركيز على مجالات متخصصة يصعب على الهواتف النقالة منافستها، مثل التصوير الفني والإبداعي والتصوير الجوي والتصوير تحت الماء والتصوير المعماري كما حاول البعض الاستفادة من برامج التحرير المتطورة مثل الفوتوشوب لتقديم خدمات متميزة تتطلب مهارات تقنية عالية لا تتوفر للمستخدم العادي.

التحول نحو الخدمات المتكاملة

وأشار إلى أنه اضطر إلى اتباع استراتيجية تنويع الخدمات، حيث أضاف إلى نشاطه التقليدي خدمات جديدة مثل تصميم الكروت الشخصية والبطاقات واللافتات والإعلانات، والتصوير الفيديوي للأعراس والمناسبات.
كما حاول البعض الاستفادة من الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي للترويج لأعمالهم وجذب عملاء جدد، وإنشاء مجتمعات افتراضية لمحبي التصوير.

ضرورة التكيف مع المتغيرات

ولفت إلى أن الواقع الحالي يشير إلى أن مهنة التصوير الفوتوغرافي التقليدية في سوريا تمر بمرحلة تحول مصيرية، حيث لم يعد بالإمكان الاعتماد على النمط التقليدي للمهنة. ويتطلب البقاء في السوق تطوير مهارات تقنية جديدة والاستفادة من الإمكانات التي توفرها الوسائل الرقمية نفسها، مع الحفاظ على الجوانب الإبداعية والمهنية التي تميز المصور المحترف عن الهواة.

أهمية الدعم المؤسسي

ويمكن للمؤسسات الثقافية والتعليمية أن تلعب دوراً مهماً في إنقاذ هذه المهنة من خلال دورات التدريب المتخصصة وورشات العمل التي تركز على الجوانب الإبداعية والتقنية المتطورة في التصوير.
كما يمكن لبرامج الدعم المالي الموجهة لهذا القطاع أن تساعد في إنعاش المحال التقليدية وتمكينها من تجاوز الأزمة الحالية.
يعتقد الكثير من الناس اليوم أن هواتفهم جيدة بما يكفي لمعظم التصوير الفوتوغرافي، ولا يحتاجون إلى شراء كاميرا منفصلة.
في الحقيقة هؤلاء الناس ليسوا مخطئين. بالنسبة لمعظم الناس هناك، فإن الكاميرا المخصصة هي نوع من أنواع المبالغة. تعتبر الهواتف أفضل من الكاميرات المخصصة لتلبية احتياجات معظم الناس. فهي أسرع وأسهل في الاستخدام، ناهيك عن تكاملها السلس مع وسائل التواصل الاجتماعي.
من المنطقي فقط الحصول على كاميرا مخصصة إذا لم يكن هاتفك جيدًا بما يكفي للصور التي تريدها (مثل تصوير الألعاب الرياضية أو بيئات ذات الإضاءة المنخفضة) أو إذا كنت مهتمًا على وجه التحديد بالتصوير كهواية.
وفي الختام لابد من الإشارة إلى أن مهنة التصوير الفوتوغرافي تواجه منعطفاً تاريخياً سيحدد مصيرها في المستقبل المنظور.
فبينما تشكل الهواتف النقالة تحدياً وجودياً للمحلات التقليدية، فإنها تفتح في الوقت نفسه آفاقاً جديدة للإبداع والتخصص.
النجاح في تجاوز هذه الأزمة لن يعتمد فقط على مهارات المصورين التقنية، بل على قدرتهم على الابتكار والتكيف مع المتغيرات التقنية والاقتصادية، واستشراف احتياجات السوق المتطورة، مع الحفاظ على الهوية الفنية والجودة الاحترافية التي تميز أعمالهم عن الصور العادية المنتشرة عبر الهواتف النقالة ووسائل التواصل الاجتماعي.

Leave a Comment
آخر الأخبار