مختبر أخلاقي ونفسي وفكري .. “الحرب وانعكاسها على الطفل في أدب فيحاء نابلسي” باتحاد كتاب طرطوس

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية – ثناء عليان:

أقام اتحاد الكتاب العرب – فرع طرطوس ندوة نقدية تناولت “الحرب وانعكاسها على الطفل في أدب فيحاء نابلسي” شارك فيها كل من الناقدة عبير خالد يحيى والشاعرة أحلام غانم وأدارت الندوة الشاعرة ليندا تقلا.

محكمة الغابة

البداية كانت مع الناقدة عبير خالد يحيى حيث قدمت قراءة نقدية تناولت المجموعة القصصية “محكمة الغابة” للأديبة فيحاء النابلسي بينت فيها أن أدب الطفل ليس مجرد حكاية مسلية، بل هو أحد الأركان الجوهرية في بناء وعي الطفل وتشكيل وجدانه، وغرس القيم الأخلاقية والإنسانية فيه منذ الصغر، لافتة إلى أن هذا الأدب يتناول مواضيع متعددة ترتبط بعالم الطفل وهمومه وتطلعاته، ويعتمد على التشويق، الرمز، والخيال، كما يستخدم تقنيات سردية بسيطة في الظاهر، لكنها عميقة في دلالاتها، تهدف إلى ترسيخ مفاهيم مثل العدالة، الخير، الشجاعة، احترام الآخر و رفض الظلم.

أبرز الأعمال القصصية

وبينت أن “محكمة الغابة” هي واحدة من أبرز الأعمال القصصية التي تخاطب فيه الكاتبة نابلسي وعي الطفل وأعماقه النفسية في آن معاً، من خلال سردية ذكية تجمع بين الرمز، المحاكمة، والجدل الأخلاقي، وهي ليست مجرد قصص عن الحيوانات، بل نصوص محملة بأسئلة كبرى عن الهوية، الاختلاف، العدالة، وسلطة الجماعة.
وأشارت إلى أن المجموعة هي عبارة عن قصة واحدة تتضمن محكمة تقيمها حيوانات الغابة ولهذه المحكمة شروطها، واللافت أن الكاتبة قسمت المحكمة إلى ست قضايا وكل محكمة مختصة بظلم واقع على حيوان معين، مبينة أن جميع القصص في المجموعة تتجه إلى الطفل وتقول له: من الخطأ أن تبني سلوكك على قصص غير حقيقة أو غير متأكد منها.

طبيعة اللغة

وعلى المستوى الإنساني والجمالي بينت يحيى أن طبيعة اللغة المستخدمة بسيطة ومباشرة وسلسة تتناسب مع عقلية الطفل، لكنها غير مسطحة بل تحمل عمقاً رمزياً واستعارات خفيفة، تأخذه إلى فضاء التأويل دون تعقيد، لافتة إلى أن الكاتبة استخدمت تقنية التكرار اللغوي إذ أن هناك تكرار بنائي في افتتاحية كل محكمة.
ومن الخصائص الأسلوبية المميزة في المجموعة –تضيف يحيى- الحوار المسرحي، مما يعزز عنصر التفاعلية والتشخيص ويشجع الأطفال على التمثيل والتمثل، كما استخدمت السخرية الخفيفة والتهكم المبطن، والجمل الانفعالية مثل “ياسيدي أنا مظلوم” وهذا يكثف الانخراط العاطفي لدى القارئ أو المتلقي.

عمل إبداعي مميز

ولفتت الناقدة يحيى إلى أن “محكمة الغابة” ليست مجموعة قصصية تقليدية بل مختبر أخلاقي ونفسي وفكري مدهش، تصلح لأن تكون مادة تعليمية مسرحية نقاشية حوارية في المدارس وجسراً لفهم الذات والآخر، وامتداداً لشخصيات مألوفة تأخذ الطفل إلى عوالم من الوعي والعدالة والاختلاف. وأكدت يحيى أن الكاتبة نجحت في تقديم عمل إبداعي مميز لأدب الطفل المعاصر، ويمكن تبيان ذلك من خلال عدة وجوه نقدية وتربوية وفنية، تجعل من محكمة الغابة تتجاوز كونها مجموعة قصصية لتصبح أنموذجاً متكاملاً لأدب الأطفال، منها ابتكار الشكل إذ لم تكتف بالحديث عن الحيوانات بل ابتكرت هيكلاً سردياً وفضاء سردياً مكانياً وزمانياً وحدثياً، ومزجت بين التخيل الرمزي والواقعي، وحققت التوازن بين المتعة والمعنى، وانخرطت بقضايا الطفل المعاصرة بذكاء الطفل.

“كعك جابر”

بدورها تحدثت الشاعرة أحلام غانم في قراءتها عن النار والحرب والجوع والحلم التي تحملها رواية ” كعك جابر” الصادرة عن مؤسسة رؤية للنشر والتوزيع ، إسطنبول – تركيا- المُوجهة لفئة اليافعين، وتدور أحداث الرواية حول جابر، وهو صبي يبلغ من العمر اثنا عشر (12)عاماً، يعيش في ظل ظروف صعبة، حيث يواجه تجارب قاسية مثل فقدان بيته بسبب الحرب. يسعى جابر لفهم طبيعة النار، فيسأل أمه: “هل النار التي أحرقت بيوتنا هي نفسها التي نخبز بها الكعك؟”

تشكيل رؤية الجيل

الرواية –حسب غانم- تعمل على تشكيل رؤية هذا الجيل وتوجيه انتباهه وتحديد إطار الرؤية لدى هذه الفئة العمرية المتأرجحة بين منطقة الطفولة ومنطقة ما يطلق عليه الكبار الكتابة لطفل لم يعد طفلاً، لكنه في ذات الوقت يتطور فكرياً ووجدانيا ليصبح كبيراً بما يكفي ليحكم ويناقش ويقرر ويقتنع كما كان يقتنع جابر بكلام أمه.
لفتت إلى أن أهمية العنوان تتجلى في كونه بوابة تسهل للقارئ استكشاف أعماق النص وفك شيفراته ودلالته، وبرأيها يمكن “كعك جابر” أن يكون مفتاحاً لفهم الرمزية الكامنة في النار، كما يشكل العنوان وما يحمله من دلالاتٍ المدخل الأول لبوابات الدهشة والوصول إلى ذلك المتلقي اليافع المتمرد، الذي ينفر من الخطابية الزاعقة والوعظ المباشر إلى ملكات الفضيلة التي لا تتجزأ.

الرمزية واللغة

وأشارت غانم إلى أن الرواية تستخدم الرمزية بشكل واضح، فالنار هنا ليست مجرد عنصر طبيعي، بل هي رمز للصراعات الإنسانية، حيث ترمز نار الحرب إلى الدمار والخراب، بينما نار الخبز ترمز إلى الأمل والتعايش فتلامس الحس البصري والذوقي، وهنا تأتي القيمة الإبداعية في سر ورمزية النار، أما لغةَ الكاتبة في الرواية برأي غانم فلا تحتاج إلى تعقيد، لأنها تصدر من قلب الحدث، وتعرف إلى أين تمضي، هي لغة شفيفة، بعيدة عن التكلّف، لكنها من السهل الممتنع ومشبعة بالحزن دون ابتذال.
وتختم غانم مؤكدة أن الرواية تتميز بقوة الفكرة وإبداعيتها وسلاستها وتضمينها معاني وقيماً في حبكة أخّاذة، وهو ما يترك أثره لدى القارئ.

Leave a Comment
آخر الأخبار