الحريّة – ميليا اسبر:
تعرضت الثروة الحيوانية خلال سنوات الحرب الماضية إلى تدمير كبير، حيث فُقد ما يقارب نصفها من ( أغنام – أبقار – دواجن) نتيحة التهريب والذبح العشوائي ..إلخ)، الأمر الذي أثر على ارتفاع أسعار منتجاتها، وتالياً على واقع الاقتصاد المحلي بشكل عام.
كذلك عانى مربو الثروة الحيوانية الكثير من الصعوبات، أهمها ارتفاع أسعار الأعلاف التي أجبرت البعض عن العزوف عن التربية، والبعض الآخر على بيع قسم من قطيعه لكي يستطيع إكمال تربية القسم الآخر.
ارتفاع أسعار الأعلاف
(إبراهيم سلامة) مربّي أغنام من محافظة دير الزور، أوضح لصحيفة الحريّة، أن مربي الثروة الحيوانية يعانون الكثير من المشكلات، أهمها ارتفاع أسعار المواد العلفية بشكل غير طبيعي، إضافة إلى تسديد سعره بالدولار، وهذا يربك المربين بسبب عدم قدرتهم على ذلك، مؤكداً أن الثروه الحيوانية هي أهم مقومات الاقتصاد الوطني، ومع ذلك لا يوجد اهتمام بها .
ارتفاع أسعار المواد العلفية وتسديد سعرها بالدولار
وكشف سلامة عن وجود أعداد كبيرة من المواشي في محافظة دير الزور والتي تعتبر مصدر رزقهم الأساسي، ولكن حالياً يواجه المربون مشكلة عدم توفير الأعلاف، ولاسيما أن البادية غير آمنة، حيث يوجد فيها مراعٍ كثيرة تغني عن شراء المادة العلفية، لكن الألغام مزروعة بأغلب مساحتها، وتشهد يومياً حوادث نتيجة انفجار الألغام بالمواطنين، مطالباً الجهات المعنية من كافة الأطراف بالرعاية والاهتمام بالثروة الحيوانية لما فيه خير للمربين والبلد معاً.
أهم مكونات الاقتصاد
بدوره الباحث بالشأن الزراعي والثروة الحيوانية إسماعيل عيسى أشار في حديث خاص لـصحيفة الحريّة، أن الثروة الحيوانية تعد من أهم مكونات عالم الاقتصاد، فهي تشكل المصدر الأهم لتحقيق الأمن الغذائي، كما أنه لا يمكن انتعاش الاقتصاد الوطني من دون انتعاش الاقتصاد الزراعي، كما لا يمكن انتعاش الاقتصاد الزراعي من دون انتعاش الثروة الحيوانية وتقدمها وتطورها.
حالة من التدهور
وذكر عيسى أن الثروة الحيوانية تعرضت في السنوات السابقة إلى خطر كبير، وعلى رأسها الأغنام، وأهمها “العواس” التي تعد أشهر أنواع الأغنام في العالم، وتمتاز بأنها ثلاثية النوع، حيث تنتج ( الصوف- الألبان-اللحوم ) وهذا مايميزها عن بقية الأنواع من الأغنام، لافتاً إلى أن قطيع الأغنام وصل إلى حالة من التدهور نتيجة الأحوال التي سادت سوريا خلال خمسة عشر عاماً الماضية .
وبيّن أن الحفاظ على الأغنام السورية، يكون من خلال الاهتمام بالمراعي التي تستطيع تقديم حوالي 70% من المراعي المجانية في الفصول الماطرة، بينما في مواسم الجفاف من الضروري تأمين مادة الأعلاف كاملة حتى تستطيع الاستمرار كما هو الحال هذا العام.
وأضاف: هناك مقولة عند المربين وهي “أن الاغنام تأكل بعضها”، بمعنى أنّ المربي يبيع نصف قطيعه لتأمين العلف للنصف الآخر، وهذا يؤدي إلى زيادة في عرض الأغنام، وتالياً انخفاض أسعارها كما هو الوضع هذا العام، حيث انخفضت أسعار لحومها من 200 ألف ليرة للكيلو إلى 100 ألف ليرة.
تطوير البادية
وأكد عيسى أنه عندما نتحدث عن ضرورة تطوير الثروة الحيوانية، وفي مقدمتها الأغنام، يجب التفكير أولاً بتطوير البادية، والذي يتطلب تنقيتها من مخلفات والألغام والأسلحة. إضافة إلى إعادة تأهيل الآبار الارتوازية التي سرقت أو دمرت في السنوات السابقة، والتي كانت تقدم مياه الشرب للأغنام والمربين، لافتاً إلى أن تأمين الأعلاف يكون عن طريق الدورات العلفية أو قروض خاصة للمربين، وفي حال أمّنت الدولة ذلك فسيؤدي إلى انخفاض الإقبال على بيع الأغنام، وتالياً يحافظ على ارتفاع سعرها نسبياً وعدم تعرضها لكارثة الذبح من جهة، و يؤدي إلى استمرار نموها وتوالدها بصورة أفضل من جهة أخرى.
إعادة تجديد قطاع الأبقار
كذلك تحدث عيسى عن موضوع الأبقار الذي تعرض لعمليات النفوق والذبح والتدهور بشكل كبير جداً، حيث يمكن القول: إنه لايوجد في سورية تربية أبقار بأعداد كبيرة ،إذ لم تعد توجد مباقر عائدة للقطاع الخاص التي كانت تنتج كميات كبيرة من اللحوم أو الحليب، منوهاً بأن أغلب التربية ذات طابع منزلي برأس أو رأسين من الأبقار، والقليل من المباقر العامة.
لا يمكن انتعاش الاقتصاد الوطني من دون انتعاش الاقتصاد الزراعي
وأضاف: من هنا نستطيع القول: إن قطيع الابقار دمر كلياً ولم يبقَ منه إلا القليل، لذلك يحتاج إلى إعادة تجديده، بمعنى يجب إعادة استيراد البكاكير وتوزيعها على الفلاحين بأقساط مريحة لهم بهدف التربية، وبالتالي تحقق الريعية الاقتصادية من هذه الأبقار.
أقرب إلى المقامرة
أما بالنسبة لقطاع الدواجن، فكشف عيسى أنه خاسر و القطاع أقرب إلى المقامرة منه إلى قطاع إنتاجي مستقر وثابت، حيث كانت تمر أيام على المربين يحققون أسعاراً جيدة، سواء بسعر البيض أو الفروج، وتالياً يحققون أرباحاً كثيرة خلال دورة تربية قصيرة لا تتعدى الشهرين، بالمقابل و كما هو الوضع حالياً هناك خسارات كبيرة نتيجة الانهيار في عملية تربية الدواجن، والتي تكمن في عدم وجود تناسب واستقرار فيما يتعلق بين العرض والطلب، والسبب أنه لا يوجد تخطيط له، أي إن العملية تتم بشكل عشوائي، وما زاد الأمر سوءاً هو التوجه اليوم نحو اقتصاد السوق الحر الذي لا يؤمن بالتخطيط المسبق، ولا أحد يعلم احتياجات السوق المحلية من قطاع الدواجن سوى الحكومة، موضحاً أنه كان يفترض أن تكون التربية متعادلة أو بزيادات بسيطة، بحيث يحصل المربي على أرباح معقولة ليست ناجمة عن احكتار أو عن نقص المادة، وبنفس الوقت لايخسر المربي.
مشكلات قطاع الدواجن
وذكر عيسى أن المشكلة التي تعترض تربية الدواجن هي كثرة أمراضها، وأيضاً السمسرة والتجارة التي ترتبط بتأمين مستلزمات التربية مثل الأدوية البيطرية والأعلاف، إضافة إلى عدم تأمين التدفئة للدواجن، مشيراً إلى أن وجود الفروج والبيض التركي في السوق المحلية أدى إلى انهيار الأسعار المحلية بصورة كبيرة. لذلك من الضروري تأمين حماية جمركية للمنتجات الوطنية السورية تحميها وتجعلها قادرة دائماً على المنافسة.
وختم الباحث عيسى بضرورة عودة حياة الريف كما كانت سابقاً، وأهمها تشجيع التربية المنزلية لبضع دواجن أو رأس غنم، أو ماعز، أو بقرة، بحيث يتم تأمين الاكتفاء الذاتي للأسرة. وأيضاً كانت تؤمن المقايضة مع البضائع الأخرى، وبتشجيع مثل هذه الأمور، نستطيع أن نحقق القاعدة الأساسية للتنمية، وهي تحقيق الاكتفاء الذاتي وتأمين فائض تصدير .