الحرية – باسمة إسماعيل:
جاء العام الحالي حاملاً معه سلسلة من النكسات التي ضربت قطاع النحل في محافظة اللاذقية، من تقلبات مناخية حادة إلى تدني الأسعار نتيجة منافسة منتجات عسل أجنبية غير خاضعة للرقابة، تهرب إلى داخل سوريا بأسعار بخسة، وصولاً إلى الحرائق التي التهمت بعض مراعي النحل في عدة مناطق، ما جعل الموسم واحداً من أصعب المواسم التي مر بها النحالون في السنوات الأخيرة، حيث يعاني مربو النحل من أزمة حقيقية، ألقت بظلالها على واقع إنتاج العسل لهذا الموسم.
إلى ما دون النصف
وأجمع عدد من مربي النحل والمهتمين في هذا القطاع الحيوي ممن التقتهم “الحرية” على أن الموسم الحالي هو الأسوأ في السنوات الأخيرة، حيث ساهمت الحرارة المرتفعة، والصقيع الذي ضرب الحمضيات، والرياح الشديدة، وانحباس الأمطار وعدم انتظامها في تدني إنتاج العسل إلى ما دون النصف مقارنة بالمواسم السابقة.
وأشار بعض المربين إلى أن تكلفة إنتاج الكيلوغرام الواحد من العسل بلغت نحو 300 ألف ليرة سورية، وهو تقريباً نفس سعر البيع لأجود أنواع العسل، فيما تباع الأنواع الأخرى بسعر يتراوح بين 100 و200 ألف ليرة، ما يعني أن المربي خسر موسمه مرتين، أولاً من حيث الإنتاج، وثانياً من حيث التسويق، نظراً لوجود عسل أجنبي منافس بأسعار أقل. وبحسب آراء العديد من النحالين أن معاناتهم لم تقتصر على الطبيعة، بل ما زاد من تفاقم الأزمة دخول العسل الأجنبي بطرق غير قانونية ويباع بأسعار لا تتناسب مع تكلفة الإنتاج المحلي، ما أدى إلى انخفاض الطلب على العسل السوري رغم جودته، وإلى تكدس الكميات المنتجة مع الكمية المنتجة العام الماضي المركونة في مستودعات النحالين بانتظار تسويقها، ما يجعل معظم المربين في حالة خسارة مؤكدة.
الحرائق زادت الطين بلة
وأكمل بعض النحالين رواية معاناتهم، أنه ما إن بدؤوا بالتقاط أنفاسهم مع تحسن ظروف التنقل بعد تحسن الظروف الأمنية، حتى جاءت الحرائق التي اجتاحت ريف اللاذقية الشمالي لتزيد الأوضاع سوءاً.
أحد النحالين في ريف الحفة قال لـ”الحرية”: بالكاد كنا نتحمل تكاليف التنقيل والعلاج، فجاءت الحرائق لتلتهم ما تبقى من أمل، بعض من الخلايا احترقت، والأشجار المزهرة التي كنا نعتمد عليها كمرعى دمرت بالكامل.
ويضيف آخر من منطقة كسب، المواسم ضعيفة أصلاً، ومع الحرائق خسرنا حتى الأساسيات، لم يعد أمامنا إلا انتظار التعويض، إن حصل.
مطالب عاجلة
طالب أغلب مربي النحل عبر صحيفتنا “الحرية”، الجهات المعنية بتقديم الدعم المالي والفني لمربي النحل الفاعلين، تنظيم المعارض المحلية والدولية للمساهمة في تصريف الإنتاج، الحد من دخول المنتجات الأجنبية غير المراقبة إلى الأسواق السورية، اعتبار النحل ثروة وطنية يجب حمايتها من التدهور والانقراض.
الإنتاج تأثر بشدة
أوضح رئيس شعبة النحل والحرير في مديرية زراعة اللاذقية المهندس سمير شقير، في تصريحه لـ “الحرية” أن الظروف الجوية التي سادت المحافظة وسوريا بشكل عام، من جفاف وتغير مناخي، أدت إلى تدهور وضع النحل بعد نشاطه واستهلاك المخزون لديه وانتشار بعض الأمراض.
وأضاف شقير: موسم إزهار الحمضيات كان ضعيفاً جداً، وكذلك أزهار الربيع تأثرت سلباً بسبب قلة الأمطار، ما أدى إلى انخفاض إنتاج العسل بشكل كبير جداً، مؤكداً أن دور مديرية الزراعة يتمثل في تنظيم تنقيل النحل بين المراعي عبر منح “إذن سفر”، الإشراف الفني وإعطاء النصائح للمربين، وتقديم المعلومات الفنية المتعلقة بتربية النحل، من خلال دائرة الشؤون الزراعية والوقائية (شعبة النحل والحرير) والوحدات الإرشادية المنتشرة في المناطق الأربع.
وأوضح شقير أن إجراء عمليات تقسيم الطوائف وبيع الطرود للمربين من خلال مراكز النحل والحرير في المحافظة.
أما عن عدد خلايا النحل فقد بيّن شقير أن عددها مسجل لعام 2024، حيث بلغت الخلايا الحديثة 111484 خلية، والخلايا القديمة البلدية 28 خلية.
ولفت إلى أن عدد هذه الخلايا انخفض بعد الحرائق الأخيرة في الريف الشمالي، حيث يوجد أضرار في المناحل الموجودة في المناطق التي طالتها الحرائق، ولا يمكن حالياً تقدير الخسائر، لريثما تنتهي اللجنة المختصة التي شكلت من قبل مديرية زراعة اللاذقية لإحصاء الأضرار.
القطاع الذي طالما شكل مصدر دخل أساسياً لآلاف العائلات السورية، يئن اليوم تحت وطأة الخسائر، في ظل مناخ متقلب، وتحديات صحية واقتصادية حادة، وأسواق لم تعد تحمي المنتج الوطني، صرخة النحالين هذا الموسم ليست مجرد شكوى، بل نداء استغاثة لإنقاذ ما تبقى من هذا الإرث الزراعي والغذائي المهم.