الحرّية- هبا علي أحمد:
شكل موضوع حبس السيولة وتجميده الذي اتبعه مصرف سوريا المركزي، تحدّياً كبيراً أمام الحكومة السورية المؤقتة، إذ دفع الأمر الكثير من المواطنين إلى فقدان الأمل بالانتعاش الاقتصادي رغم انخفاض الأسعار، لكن حالة عدم اليقين التي رافقت سعر صرف الليرة أمام الدولار جعلت المشهد ضبابياً..
فالإجراءات التي اتبعها المركزي بمنع المصارف من سحب السيولة من حساباتها لديه أدى إلى تقييد السحوبات للأفراد والشركات، وتقييد الإقراض التمويلي، ما انعكس سلباً على الاستثمارات الحالية، وبالتالي على الاستثمارات المستقبلية، إن بقيت هذه السياسة مُتبعة، كما إن تلك الإجراءات أكّدت بشكل لا لبس فيه “نقص النقد المتاح في الأسواق، سواء في أيدي الأفراد أو الشركات أو المصارف” هو ما يُعرف بحبس السيولة.
ولمنع تفاقم الوضع وبالتالي حماية الاقتصاد، فإن تبني سياسات نقدية توسعية، وتحفيز الطلب، ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، تُعد حلولاً ناجعة.
وفي تصريح لصحيفة “الحرّية” قال الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي: حبس السيولة يُعد أحد التحديات الاقتصادية الرئيسية التي تواجه الاقتصاد السوري اليوم، حيث يلجأ المصرف المركزي إلى إجراءات تقييدية تهدف إلى تحقيق استقرار وهمي في سعر صرف الليرة السورية، إلا أن هذه السياسات تنطوي على انعكاسات سلبية كبيرة، أولها تفاقم الركود الاقتصادي، إذ تؤدي قلة توفر النقد في الأسواق إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي، وانخفاض الاستثمارات، وتراجع القدرة الشرائية للأفراد والشركات.
نتائج حبس السيولة
تعاظمت التعاملات المالية خارج الجهاز المصرفي، وارتفع الميل للاخار أو الاكتناز لدى أصحاب النشاطات الاقتصادية، حيث يفضلون الاحتفاظ بالنقد بدلاً من إنفاقه أو استثماره في ظل الظروف الاقتصادية غير المستقرة، أدى إلى انخفاض سرعة تداول النقود في الاقتصاد السوري، وارتفعت المخاوف الاقتصادية من انخفاض حركة الأموال، حيث يُعتبر ما سبق ذكره من النتائج الحتمية لسياسات المركزي بحبس السيولة، حسب الدكتور قوشجي.
آثار سلبية
وبطبيعة الحال فإن التمسك بالسياسة المتبعة من شأنها أن تترك آثاراً سلبية على الاقتصاد نتيجة تراجع القدرة على الإنفاق، منها انخفاض الطلب على السلع والخدمات ما يؤدي إلى تراجع المبيعات والإيرادات لقطاع الأعمال، كما يشير الخبير قوشجي، أضف إلى ذلك تباطؤ الإنتاج نتيجة ضعف الطلب، ما يقلل من أرباح الشركات، ومع توفر السلع المستوردة الرخيصة، سيتوقف الكثير من الشركات عن العمل، ما يؤدي إلى تسريح العمال وارتفاع معدلات البطالة والفقر.
ومن بين الآثار الأخرى، تراجع الثقة الاقتصادية ما يعزز سلوك الادخار أو خروج رؤوس الأموال إلى الخارج بدلاً من الإنفاق أو الاستثمار.
ويشرح الخبير الاقتصادي أن حبس السيولة في سوريا هو نتيجة لمجموعة معقدة من العوامل الداخلية والخارجية، والتي تشمل سلوك النظام الاقتصادي السابق، الذي أدى إلى تردي الأوضاع الاقتصادية، وإفراغ خزينة الدولة، وسحب كميات كبيرة من السيولة من المصرف المركزي لتمويل إنفاقه بالعجز، ما أدى إلى ارتفاع معدل التضخم بنسب كبيرة جداً، وانخفاض سعر صرف الليرة السورية إلى مستويات متدنية.
وعند محاولة معالجة الوضع المتردي، رفع مصرف سورية المركزي أسعار الفائدة، إلا أن هذا الإجراء أدى إلى زيادة تكلفة الاقتراض، ما قلل من الاستثمارات وأعاق النمو الاقتصادي، كما أدى ذلك إلى تراجع الثقة في النظام المصرفي، حيث فقدت العديد من المصارف قدرتها على العمل بشكل طبيعي بسبب الأزمة الاقتصادية والعقوبات الدولية.
ونتيجة لذلك، تبعاً لقوشجي، تزايدت ظاهرة الاقتصاد الموازي، وانتشرت الأسواق الموازية للعملة ولمنتجات الطاقة، ما قلل من الاعتماد على النظام المصرفي الرسمي وأضعف دوره في توفير السيولة.
توصيف الأزمة الاقتصادية
ويقدم الخبير مُلخصاً للأزمة الاقتصادية في سوريا، مشيراً إلى عدة عوامل من انهيار سعر صرف الليرة السورية ما أدى إلى فقدان الثقة في العملة المحلية والاحتفاظ بالعملات الأجنبية، وارتفاع معدلات التضخم ما قلل من الإنفاق والاستثمار وأدى إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي، أضف إليه تراجع الإنتاج المحلي بسبب تدمير البنية التحتية، بما في ذلك المصانع والطرق والمرافق العامة، ونقص المواد الخام، وعدم القدرة على استيراد المدخلات الإنتاجية، مع زيادة الدين العام إذ تمّ اللجوء سابقاً إلى الاقتراض المكثف لتمويل عجز الموازنة، ما أدى إلى امتصاص السيولة من الأسواق عبر إصدار سندات حكومية، كما أدى استنزاف الاحتياطيات من العملة السورية والعملة الأجنبية في محاولة لتمويل الواردات الأساسية أو بيع القطع بطريقة غير فعالة إلى تقليل السيولة المتاحة في الاقتصاد السوري بالكامل.
وكان للعقوبات الاقتصادية الدولية على سوريا دور في الحد من قدرتها على الوصول إلى الأسواق العالمية، وتقييد تحويلات العملة الأجنبية، وإعاقة التجارة الخارجية، إلى جانب ما أفرزته من عزل النظام المصرفي السوري عن النظام المالي العالمي
مقترحات
في السياق قدم الخبير المصرفي مقترحات عدة لمعالجة موضوع حبس السيولة وما يفرزه من ركود اقتصادي، منها وضع خطة محكمة للسياسة النقدية تتضمن خفض أسعار الفائدة لتشجيع الاقتراض والاستثمار، وضمان حرية حركة السحب والإيداع المصرفي للأفراد والشركات بجميع العملات، بالإضافة إلى تخفيف القيود على الإقراض لتعزيز تدفق الأموال إلى القطاعات الإنتاجية، إلى جانب تحفيز الطلب عبر تخفيض النسب الضريبية لتشجيع الأفراد والشركات على زيادة الإنفاق، وبيع سندات حكومية بالليرات السورية والدولار الأمريكي لزيادة الإنفاق الاستثماري الحكومي على البنية التحتية والمشاريع الكبرى، ما يسهم في خلق فرص عمل وتحريك الاقتصاد.
ومن المقترحات أيضاً، تحسين ثقة الأسواق عبر سياسات الاستقرار المالي لإعادة ثقة المستثمرين وتشجيعهم على ضخ الأموال في الاقتصاد، وتشجيع الاستثمار الأجنبي من خلال تقديم مزايا ضريبية وتسهيل الإجراءات البيروقراطية، إضافة إلى خصخصة القطاع العام من خلال تحويله إلى شركات مساهمة تُدرج في سوق دمشق للأوراق المالية، حيث تباع للمواطنين السوريين بنسبة 70% ولغير السوريين بنسبة 30%، ما يجعلها قوة محركة للتنمية الاقتصادية بشكل كبير وفعال. يُضاف إلى ما سبق ذكره دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال تمويل من دون فائدة لدعم الشركات الناشئة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتقديم قروض بشروط ميسرة لرواد الأعمال، مع ضرورة تبني سياسات نقدية توسعية، وتحفيز الطلب، بالإضافة إلى استعادة ثقة المستثمرين.
فالتحرك السريع والفعال من الحكومات والمصارف المركزية يمكن أن يمنع تفاقم الأوضاع الاقتصادية ويحمي الاقتصاد من الدخول في دورة ركود طويلة الأمد.