الحرية – محمد زكريا:
من الطبيعي أن تبحث وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي عن الخطط والإستراتيجيات الكفيلة بالوصول إلى إنتاج زراعي وفير، يتحقق من خلاله اكتفاء ذاتي لبعض المحاصيل الزراعية، ولاسيما ذات الطابع الإستراتيجي كالقمح والشعير والقطن والشوندر وغيرها.
وبغضّ النظر عن المتغيرات المناخية الطارئة التي تعترض أحياناً تنفيذ تلك الخطط والتي تؤثر سلباً على الإنتاجية الزراعية، فإن الأمر لا يتعلق بمدى واقعية وجدية تلك الخطط والمشاريع، وليس من باب التشكيك والتقليل من خبرات القائمين على الوزارة، إنما لاستمرار الوزارة بالأساليب الزراعية التقليدية نفسها، والتي أفضت خلال السنوات الماضية إلى تفاقم مشكلات الزراعة واستمراريتها لسنوات طويلة، فبالتأكيد نتائج الموسم الزراعي لن تكون كما تأتي بها -على الدوام – إحصاءات الزراعة، وهي غالباً ما تكون مخيبة للآمال، وبالتالي لابدّ من الانتقال إلى الزراعة الذكية أسوة بدول الجوار على أقل تقدير، وربطاً على ذلك، فإن تطبيق الزراعة الذكية في سورية، حسب بعض خبراء الزراعة، أمر ممكن، لكنه مشروط فيه التعاون والتنسيق مع جهات أخرى كوزارة الاتصالات والتقانة بما تملكه من خبرة بالتحول الرقمي والبرمجة والهيئة العامة للأرصاد الجوية من خلال المعلومات المناخية، والتعاون أيضاً مع وزارة الموارد المائية للتزويد ببيانات الموارد المائية المتاحة، والهيئة العامة للاستشعار عن بعد من خلال الخرائط الرقمية الغرضية، وبالتالي الوصول إلى كل فلاح ومربٍّ من خلال تطبيق رقمي ذكي لتحقيق الزراعة المستدامة والمزدهرة.
أساليب تقليدية
الباحثة الزراعية الدكتورة انتصار الجباوي أشارت إلى أن أساليب الزراعة التقليدية المتبعة حالياً لم تعد تجدي نفعاً، وبالتالي ضرورة الاستغناء عنها أصبحت مطلباً أساسياً لجهة تحسين وتطوير الإنتاجية الزراعية، واللجوء إلى الزراعة الذكية، والتي هي نظام يعتمد على التكنولوجيا المتقدمة في الإنتاج الزراعي، وترشيد استخدام الموارد الطبيعية، ولاسيما المياه، وأهم سماتها اعتمادها على نظم إدارة وتحليل المعلومات، لاتخاذ أفضل قرارات الإنتاج الممكنة بأقل التكاليف.
وأضافت الجباوي في تصريح خاص لصحيفة الحرية: إن إحدى فوائد الزراعة الذكّية تكمن في تعزيز إنتاج المحاصيل والقدرة على الصمود في وجه تغيّر المناخ، من خلال أصناف جديدة من المحاصيل، كما أنها تعمل على تعزيز الابتكار الزراعي، وحفظ وحماية البيئة من خلال إدارة أفضل للموارد الطبيعية، والتكّيف مع تغّير المناخ، وزيادة الإنتاج وتحسين نوعية المحاصيل الزراعية، إلى جانب تطبيق الإدارة المستدامة للموارد الطبيعّية، مع تحسين إدارة التربة وخصوبتها.
معوقات لها حلول
بالمقابل، فإن تطبيق الزراعة الذكية ضمن الواقع الزراعي الحالي، يمكن أن يعترضه العديد من المعوقات، والتي لخصتها الجباوي بما هو مرتبط بالوضع الاقتصادي والمالي لجهة التكاليف المرتفعة، حيث تقنيات الزراعة الذكية، مثل أجهزة الاستشعار، الطائرات المسيّرة، وأنظمة الري الذكي، تحتاج إلى استثمارات كبيرة، وهو أمر صعب في ظل الوضع الاقتصادي الحالي، إضافة إلى ضعف التمويل والدعم الحكومي، حيث لا يوجد دعم كافٍ للفلاحين لتبنّي هذه التقنيات، سواء عبر قروض ميسّرة أو برامج تحفيزية.
وأوضحت وجود معوقات أخرى تتعلق بمشكلات البنية التحتية لجهة ضعف الإنترنت والطاقة، ونقص في توفر المعدات والتكنولوجيا، حيث إن معظم المعدات الزراعية الذكية غير متوفرة محلياً، واستيرادها مكلف، إلى جانب ضعف الوعي التقني لدى الفلاحين، حيث إن أغلبهم يعتمدون على الأساليب التقليدية، ويفتقرون إلى المعرفة الكافية حول فوائد وأساليب تطبيق الزراعة الذكية، مع النقص في الكوادر الفنية والهندسية القادرة على تصميم وتركيب وصيانة هذه أنظمة الزراعية الذكية، فضلاً عن وجود تحديات بيئية ومناخية، منها شح الموارد المائية والتغيرات المناخية، منوهة بعدم وجود سياسات واضحة لدعم التحول الرقمي، حيث لا توجد خطط زراعية متكاملة لتشجيع الاعتماد على التقنيات الذكية، كما أن ضعف التعاون بين الجهات الحكومية والخاصة يقلل من فرص نجاح المبادرات الذكية.
المطلوب التبني والدعم
ولفتت الجباوي إلى الحلول الممكنة التي يمكن من خلالها تجاوز هذه المعوقات، وأهمها توفير الدعم الحكومي وتمويل ميسر للمزارعين الراغبين في تبني تقنيات حديثة، إضافة إلى إطلاق برامج تدريبية لنشر الوعي حول فوائد وأساليب استخدام الزراعة الذكية، إلى جانب تحسين البنية التحتية من خلال تعزيز شبكات الإنترنت والطاقة في المناطق الزراعية، والتعاون مع الجامعات والمراكز البحثية لتطوير حلول محلية تناسب البيئة الزراعية السورية، فضلاً عن تشجيع الشراكات مع القطاع الخاص لاستيراد وإنتاج المعدات الذكية محلياً بأسعار مناسبة.