سوريا وأوكرانيا.. المغزى والهدف من استئناف العلاقات الدبلوماسية

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية- دينا الحمد:

بعد إعلان دمشق التوقيع على اتفاقية استئناف العلاقات الدبلوماسية بين سوريا وأوكرانيا على هامش أعمال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، وبعد إعلان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأمر ذاته، أي استئناف تلك العلاقات بعد لقائه الرئيس أحمد الشرع الأربعاء الفائت، فإن السؤال المفترض هنا: ما مغزى عودة العلاقات إلى مجراها الطبيعي من وجهة النظر السورية، ولماذا الآن؟
في الحقيقة لا نحتاج إلى كثير من العناء للإجابة عن هذا السؤال المهم، ولا نحتاج إلى تفكير عميق لفك رموزه وشيفرته، لأن سوريا الجديدة، وببساطة شديدة، تنطلق من ركيزتين أساسيتين في علاقاتها مع العالم والإقليم، أولاهما الانطلاق من مصالحها، وثانيهما أنها تحاول إعادة رسم علاقاتها مع عواصم الدول الأخرى بعكس ما فعل النظام البائد، الذي قطع علاقته بهذه الدولة أو تلك انطلاقاً من محاولة إرضائه لحلفائه وداعميه، فتلك السياسة التي كانت تمثل مراهقة سياسية لا يمكن أن تصب في مصلحة سوريا وشعبها البتة.

والأهم من هاتين الركيزتين أن سوريا بدأت منذ اللحظة الأولى لتحررها من النظام البائد برسم صورة مغايرة لعلاقاتها الإقليمية والدولية، التي دمرها ذاك النظام، وهذه الصورة تتطلب في أولى خطواتها تصفير المشاكل مع من لا يفترض بوجود مشكلة معهم، أو مع من يرغب بعلاقات احترام متبادل مع دمشق، أو مع دول يفترض تصفير المشاكل معها انطلاقاً من وجود مصالح مشتركة كثيرة وكبيرة تتطلب هذا الأمر.
وحول استئناف علاقات سوريا وأوكرانيا قال زيلينسكي في منشور على حسابه في منصة «إكس»: إن أوكرانيا وسوريا وقعتا بياناً مشتركاً بهذا الشأن، مؤكداً أن الخطوة تمثل بداية مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية، وأن كييف مستعدة لدعم الشعب السوري في مسيرته نحو الاستقرار، موضحاً أنه ناقش مع الرئيس الشرع بشكل مفصل القطاعات الواعدة لتطوير التعاون الثنائي، إضافة إلى التهديدات الأمنية المشتركة وسبل مواجهتها، وتم الاتفاق على بناء علاقات على أساس الاحترام والثقة المتبادلة.
وفي العودة إلى سياسات النظام البائد الكارثية فقد قام رئيسه المخلوع منذ ثلاث سنوات بتوتير علاقات سوريا بأوكرانيا، فقامت الأخيرة عام 2022 بقطع علاقاتها معه عقب اعتراف نظام المخلوع بضم مساحات من الأراضي الأوكرانية إلى روسيا، مع أنه كان يفترض أن يلتزم موقفاً يتناسب مع مواقف معظم دول العالم وكذلك مع منظمة الأمم المتحدة وليس الوقوف مع طرف ضد آخر لمجرد حسابات سياسية ضيقة، تماماً مثلما نطالب نحن في سوريا دول العالم بعدم اعترافها بضم إسرائيل لأراض سورية بل بتطبيق الشرعية الدولية في مثل هذه القضايا المصيرية.
انطلاقاً من كل هذا، فإن الحديث عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين سوربا وأوكرانيا يعني في توقيته ومغزاه جملة من المعطيات أولها تصفير سوريا لمشاكلها مع دول الإقليم والعالم انطلاقاً من مصالحها الوطنية أولاً، وثانيها محاولة تصحيح السياسات الكارثية التي خلفها النظام البائد على بلدنا، وثالثها طي صفحة الخلاف السياسي بين سوريا وأي بلد يعترف بوحدة الأراضي السورية والسيادة السورية، وبالتالي فتح صفحة جديدة تتيح المجال لشراكات مستقبلية في مختلف المجالات، سواء كان ذلك مع كييف أو غيرها من العواصم، ولاسيما أن دمشق ترسم من جديد شكل علاقاتها مع الآخرين وإعادة بناء علاقات متوازنة معهم بعد سنوات طويلة من التخبط والعبثية زمن النظام البائد، شهدنا خلالها أكبر شاهد على تلك العبثية، وهي ابتعاده عن الحاضنة العربية لسوريا التي يفترض أن تكون علاقات دمشق بالعواصم العربية حميمية وأكثر عمقاً من أي علاقات مع بلدان أخرى.

Leave a Comment
آخر الأخبار