حكايات من مطبخ القدموس التراثي

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية- فادية مجد:

تنبض الأطباق التراثية بالحياة كلما اجتمعت حولها العائلة، وتروى الحكايات من خلال نكهات لا تنسى، توارثتها الجدات عن الأمهات.
وفي منطقة القدموس السورية، يتجسد التراث في كل طبق، وتصاغ الهوية من عجين وحطب ويد خبيرة، ومن خلال هذه المأكولات، نعيد وصل الماضي بالحاضر، ونرسخ حضورنا في ذاكرة الأجيال القادمة.

طقس يومي

وعبرت السيدة منى محمد من قرى القدموس عن إيمانها بأن الطعام يحمل في طياته أكثر مما يشاهد على المائدة، وهو ليس مجرد مكونات تطهى، بل هو حكاية تروى، وذاكرة تستعاد، ودفء يشعرها بالانتماء.
وأن الطبخ طقس يومي، تعيد فيه وصل ما انقطع من حكايات الأجداد، مع إضافة لمسة حب في كل طبق يقدم.
ومن الأشياء التي لا ينساها أهل الريف الأصيل كيف كانت أمهاتهم تُحضر الفطائر في التنور، وكيف كانت رائحة العجين المخبوز تفوح في أرجاء البيت، معلنة عن لحظة دفء لا تنسى، حيث تحشى الفطائر بما تجود به أرضهم، وكل نوع منها يحمل قصة خاصة به.

في كل المناسبات

ومن الأطباق التي لا تغيب عن مناسباتهم سواء كانت فرحاً أم عزاء، طبق البرغل بحمص والذي يعد على الحطب، ويقلى بالبصل، وزيت الزيتون الذي يعد أحد كنوز منطقتهم، ومع هذا الطبق الشهي كان يجتمع الناس حوله، لا ليأكلوا فقط، بل ليتشاركوا لحظة إنسانية دافئة، ويضيفون له من أحاديثهم، ما يجعل الطعم أكثر دفئاً.
أما الطبق التراثي الثاني فهو الملقسة، وهو أكلة غنية بالمكونات والنكهات، وتتكون من طحين وبرغل ناعم، يُعجنان معا حتى تتشكل عجينة متماسكة، ثم تشكل منها كرات صغيرة بحجم حبة الحمص، تحشى إما بالبصل المدبل مع الفليفلة والجوز، أو بالثوم بنفس الطريقة، وهناك من يفضل حشوها بالسلق والبصل، وبعد عملية تجهيزها، يوضع الماء في وعاء كبير حتى يغلي، ثم تضاف الكبيبات المحشية لمدة خمس دقائق، وبعد ذلك تضاف الكرات الصغيرة غير المحشية، وقرب مرحلة الاستواء يرشون النعنع اليابس والبقدونس والزيت ودبس الرمان والفليفلة الحمراء والثوم المدقوق، ويُؤكل هذا الطبق مع البصل والمخلل، ويمكن تقديمه مع الخبز.

أطباق تراثية

ومن الأطباق التراثية المشهورة في منطقة القدموس فطائر البريبة، يتم تجهيز عجينة من الطحين والماء والخميرة، ثم طهو البرغل بالزبدة البلدية وزيت الزيتون والفليفلة الحمراء والملح والماء حتى ينضج تماماً، ثم يترك ليبرد، وبعد أن تختمر العجينة، تقسم إلى قطع تكفي لرغيف كبير، ثم يوزع خليط البرغل على الوجه، مع فتح العجين من المنتصف ولفه إلى الخارج ليصبح لديهم شكل ملفوف متطاول، يقسم حسب الرغبة، ويترك ليرتاح مرة ثانية، ثم يخبز في الفرن أو على الصاج.
وكذلك فطائر القرناية، وهي عشبة خضراء ذات رائحة الزكية تفرم أو تفرط أوراقها، وتفرك بالملح في الماء لتخفيف حدتها، ثم يضاف إليها زيت الزيتون والفليفلة الحمراء والملح، وتُخلط جيداً، ثم تمد العجينة الرقيقة، وتحشى بخليط القرناية، ثم تلف كما تلف فطاير البريبة، وتخبز في الفرن أو على الصاج أو التنور، ويمكن أيضاً تجفيف القرناية واستخدامها لاحقًا كما يستخدم النعنع اليابس.

هويتنا

إن كل طبق من هذه الأطباق هو فصل من فصول حكايتنا، وكل نكهة تحمل في طياتها قصة، ودفئاً وذكرى، والحفاظ على هذه الوصفات هو حفاظ على هويتنا، وعلى جذورنا التي نعتز بها، وعلى طقوسنا التي نريدها أن تستمر لأجيال قادمة.

Leave a Comment
آخر الأخبار