القيادة والإدارة: معادلة حاسمة لنجاح المؤسسات في عصر التغيير السريع

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية – هناء غانم:
في كل دورة اقتصادية مضطربة، يعود الجدل ذاته إلى الواجهة: هل تحتاج الشركات إلى قادة ملهمين أم إلى مديرين منضبطين؟ سؤال يبدو للوهلة الأولى مشروعاً، لكنه في الواقع يعكس فهماً قاصراً لطبيعة العمل المؤسساتي.
فالأسواق لا تعمل بمنطق المفاضلة بين الأدوار، بل بمنطق التكامل بينها، ومع ذلك لا يزال الخطاب السائد يميل إلى تمجيد القيادة بوصفها الوصفة الجاهزة لتجاوز الأزمات، في مقابل تصوير الإدارة كعبء بيروقراطي يفتقر إلى الروح، قراءة جذابة إعلامياً، لكنها بعيدة عن الواقع الذي هو مختلف في عالم الأعمال، لأن السوق لا يكافئ الشعارات، بل النتائج.

التكامل بين القيادة والإدارة

يوضح الخبير الاقتصادي الدكتور عبد المعين مفتاح في حديثه لـ ” الحرية” أن السؤال الشائع: “من الأهم، القائد أم المدير؟” هو سؤال مضلّل من الأساس، فنجاح المؤسسة يعتمد على التوازن بين القيادة والإدارة، فكل منهما يكمل الآخر. كما يشبه الدكتور مفتاح المؤسسة التي تملك قيادة بلا إدارة بمركبة بمحرك قوي دون نظام كبح، والعكس بالعكس.

الأدلة الإحصائية على أهمية التوازن

تؤكد الأرقام هذا المنطق، فقد أظهرت دراسة صادرة عن MIT Sloan عام 2024 أن الشركات التي جمعت بين قيادة مؤثرة وإدارة تشغيلية دقيقة حققت نمواً سنوياً أعلى بنسبة 31 % مقارنة بمنافسيها الذين انحازوا إلى أحد الطرفين فقط.

دور الإدارة والقيادة في المؤسسات

ومن منظور العلوم الإدارية، يوضح الدكتور مفتاح أن الإدارة إطار شامل يستثمر الموارد البشرية والمالية والزمنية والتكنولوجية ضمن منظومة واضحة الأهداف، في حين تركز القيادة على القدرة على التأثير والتحفيز وبناء الثقة واتخاذ القرارات تحت الضغط بمعنى آخر، القيادة جزء أساسي من الإدارة وليست بديلاً عنها.

متطلبات سوق العمل الحديث للقادة والمديرين:

يضيف الخبير أن سوق العمل الحديث لا يحتمل التهاون: المرشحون للمناصب العليا يخضعون لاختبارات متعددة تقيس الذكاء العاطفي والقدرة على اتخاذ القرار والسيطرة على التوتر، ليكون المدير قائداً عملياً، والقائد مديراً منظماً، وإلا فإن المؤسسة معرضة للفشل.
يشير الدكتور مفتاح إلى نماذج شائعة: قائد مؤثر يفتقر لأدوات الإدارة قد يفشل عند أول اختبار تشغيلي، بينما مدير هادئ يمتلك أدوات التنظيم والانضباط يمكنه النجاح رغم عدم امتلاكه موهبة القيادة الفطرية، هذا التوازن بين الموهبة والتدريب أساسي، إذ تشير دراسة Gallup 2023 إلى أن 55 % من السمات القيادية فطرية، مقابل 45 % مكتسبة بالتدريب والخبرة.

تأثير الذكاء العاطفي على الأداء المؤسسي

مع صعود مفهوم الذكاء العاطفي، أصبح القادة الذين يفهمون دوافع فرقهم ويستثمرون قدراتهم البشرية يحققون التزاماً وظيفياً أعلى بنسبة 37 % وإنتاجية أعلى بنسبة 21% مقارنة بأساليب القيادة التقليدية القائمة على الأوامر.

تصنيف القيادات والإدارات داخل المؤسسات

على أرض الواقع، يمكن تصنيف القيادات والإدارات داخل المؤسسات إلى ستة أنماط:
مدير ناجح يمتلك قدرات قيادية، قائد ناجح يمتلك أدوات الإدارة، مدير فاشل لكنه يملك بذور القيادة، قائد مؤثر يفتقر لأدوات الإدارة، مدير فاشل لا يملك الكفاءة الإدارية ولا القيادة، قائد فاشل يفتقر للتأثير والإدارة.

التوازن شرط البقاء

وختاماً يؤكد الخبير الاقتصادي، أن التوازن بين القيادة والإدارة ليس ترفاً فكرياً، بل شرط بقاء في سوق العمل، ولا مكان لمن يخطئ في فهم هذه المعادلة.

Leave a Comment
آخر الأخبار