الحرية- رشا عيسى:
يشهد الاقتصاد السوري عملية إعادة ترميم ،امتدت على مدى ١٢ شهراً وعلى وقع عمليات انفتاح مختلفة على المحيط العربي والعالمي وبوادر الاستعداد لعقد تحالفات جديدة، حيث امتلكت دمشق زمام المبادرة, لتؤكد أنها عازمة على معالجة دفع عجلة الدوران الاستثمارية والتجارية والاقتصادية في البلاد، في مسعى للتعافي المبكر الذي يواجه معوقات وتحديات كبيرة.
معوقات رئيسية أمام التعافي المبكر
الباحث في شؤون إدارة الأعمال و السياسة الدكتور نصر العمر يؤكد لـ ” الحرية” أنه رغم الإرادة السياسية، يواجه مسار التعافي الاقتصادي تحديات جوهرية تعوق تسريع وتيرته من أهمها :
- الاستقرار السياسي الداخلي: يشكل عدم الاستقرار في المناطق الشرقية والجنوبية والساحلية حائلاً دون تدفق الاستثمارات التي سعت بها الدولة مع الدول الصديقة والعربية.
- برامج المصالحات والانقسام الخارجي: دعم برامج المصالحات في الداخل السوري ضروري لترسيخ الأمن والاستقرار السياسي، ما سيحد من الانقسام السياسي الخارجي، الدولة تسعى بكل الطرق لهذه العملية، لكن هناك قوى لا تريد ذلك.
- الشفافية ومكافحة الاحتكار: عدم احتكار المشاريع وعرضها على الملأ بشفافية سيشجع المستثمرين من الداخل والخارج، ما يضمن بيئة تنافسية صحية.
دروس من الانفتاح
يرى العمر أن بداية الانفتاح شهدت بعض الأخطاء منها الإقبال على الكماليات وخاصة السيارات، واستغلال فرصة نزول قيمة الجمارك، إلى صرف مبالغ ضخمة تجاوزت 5 مليارات دولار على غير الأساسيات، بالإضافة إلى تجاهل المستثمر المحلي: هناك ناحية مهمة تم إغفالها وهي عدم تشجيع المستثمرين الداخليين، أي التجار السوريون وأصحاب الشركات، والاعتماد فقط على الشركات والعلاقات الخارجية في عملية التعافي المبكر، علماً أن الداخل هو الذي يستطيع أن يلعب دوراً كبيراً في هذه العملية وإعادة الإعمار في سوريا.
الاستثمارات السعودية كرافعة للنهوض
في خطوة إيجابية ومهمة، شهدت الفترة الأخيرة حراكاً دبلوماسياً واقتصادياً عبر دعم عربي للاقتصاد السوري وعقدت عدة اجتماعات مع وفود عربية، وخاصة الوفود السعودية، التي طرحت دعم الاقتصاد السوري بمزيد من الاستثمارات، وتم الاتفاق على منح سوريا استثمارات بقيمة 8 مليارات دولار، وهو ما سيشجع عملية النهوض على مستوى الجغرافيا.
ويرى الدكتور العمر أن هذه الاستثمارات التي دعمتها المملكة العربية السعودية هي الأكثر صدقاً ونجاحاً، خاصة أن سوريا بحاجة إلى حوالي 600 مليار دولار لإعادة الإعمار، وفقاً للتقارير الدولية والمحلية.
مقترحات للمستقبل
ولتحقيق نجاح أكبر في المرحلة القادمة، يقدم الدكتور العمر عدة مقترحات:
- المدينة الإدارية لإعادة الإعمار: بلد بحجم سوريا وتكلفة إعادة إعمار تتجاوز 600 مليار دولار بحاجة إلى مدينة إدارية متخصصة بهذا العمل، لتكون بوابة لكل الاستثمارات العالمية، تستقطبها وتوفر خدمات إدارية عالية ومجهزة وسريعة، وتحتوي على داتا كاملة لكل مشاريع إعادة الإعمار في الزراعة، الصناعة، التجارة، والاستثمارات.
- قوننة التجارة ومكافحة الاحتكار: يجب قوننة التجارة بشكل أفضل وعدم احتكار المشاريع أو المناقصات، بل طرحها على السوق الداخلية بشكل أوسع وأكثر شفافية.
- دعم الاستقرار السياسي: تعزيز برنامج الاستقرار السياسي الداخلي والخارجي من خلال إتمام المصالحات وترسيخ الأمن والأمان، ما سيشجع كل الاستثمارات الداخلية والخارجية، فـ “رأس المال جبان وبحاجة إلى الأمان والراحة”.
- تأهيل الكوادر الوزارية: رفد جميع الوزارات، وخاصة المسؤولة عن الاستثمارات كالتجارة والسياحة، بمختصين قانونيين واقتصاديين وإداريين للعمل على تحقيق أفضل النتائج.
أمل في انطلاقة جديدة
إن مسيرة التعافي الاقتصادي في سوريا بمثابة سباق مع الزمن يتطلب تضافر الجهود على كافة المستويات، فبينما تفتح الاستثمارات الخارجية، كالدعم السعودي الأخير، آفاقاً جديدة يظل النجاح الحقيقي مرهوناً بقدرة الحكومة على ترسيخ الاستقرار الداخلي، ومكافحة الفساد بشفافية، وتمكين المستثمر المحلي، وتوجيه الإنفاق نحو الأولويات التنموية بدلاً من الكماليات.