مع الشح الشديد.. كيف تحولت المياه إلى سلعة للربح على حساب صحة وأمان السكان؟!

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية- إلهام عثمان:

تصاعدت معاناة السكان في بعض أحياء دمشق بشكل ملفت مع تزايد أزمة المياه وشحها، وبالتزامن مع صدور القرار الجديد بتقنين استهلاك المياه ضمن جداول زمنية للحفاظ على الموارد المائية، برز جانب مظلم من الأزمة، حيث ازداد “طمع” بعض تجار الأزمة وبعض المزارعين، الذين يعملون على استغلال الحاجة الملحة للمواطنين من خلال بسط أجنحة طمعهم، فحولوا مياه الآبار المخصصة لسقي المزروعات، إلى بيعها للمواطنين.. والاستعاضة عنها بالمياه الرمادية لسقاية المزروعات، ورغم ما تخلفه تلك المياه الملوثة من آثار سلبية على الصحة، إلا أن الرقابة لازالت في سباتها..!
ففي ظل غياب الرقابة، ظهرت سوق سوداء لبيع مياه الآبار المخصصة لسقاية المزروعات، حيث تحولت المياه من مصدر حياة أساسي إلى أداة لنقل الأمراض والسرطانات، ووسيلة للربح المفرط على حساب معاناة المواطنين، وهو أمر يعكس استهتاراً واضحاً بالمصلحة العامة، ويبرز حجم التحديات التي تواجه عملية إدارة الموارد المائية في ظل غياب الإجراءات الرقابية الفاعلة.

غياب الضمير

على صعيد توزيع المياه فقد اعتمدت مؤسسة المياه جدول زمني عادل وشامل لتقنين المياه، بهدف تخفيف معاناة السكان وتوزيع الموارد بشكل منصف، إلا أن الجانب المظلم من الأزمة لا يزال قائماً، حيث لجأ بعض المزارعين والتجار إلى التلاعب بالبنية التحتية، وبيع المياه العذبة من آبار للصهاريج والتي كانت مخصصة لسقاية وري المزروعات، والاستعاضة عنها بري المزروعات بمياه الصرف الصحي، أو المياه الرمادية، وبيعها بأسعار فلكية لسكان المناطق المجاورة وتحديداً في دمشق، ويعد هذا السلوك أمراً خطراً، له أبعاد صحية وبيئية سلبية على المجتمع، فبعد ريها بتلك المياه الملوثة، تُنقل إلى الأسواق وتطرح لبيعها للمواطنين.

دق ناقوس الخطر

وفي حوار خاص لـ”الحرية” مع خبير الأعشاب عبد العزيز العلي، والذي حذر وبشدة من المخاطر الصحية الجسيمة الناتجة عن ري المحاصيل بالمياه الرمادية، مؤكداً أن ري الخضروات والفواكه والحشائش الورقية مثل البقدونس والنعناع وغيرها بالمياه الملوثة، سيؤدي حتماً إلى أمراض خطيرة، منها السرطانات بأنواعها وأمراض الجهاز الهضمي والأمراض المعوية وغيرها من الأمراض الكثيرة، وهو ما يهدد صحة المجتمع بشكل مباشر.
وهنا شدد العلي على ضرورة العمل على تطبيق معايير صحية وبيئية صارمة لمنع تكرار مثل هذه الممارسات الخاطئة، ووضع حد لتلك التجاوزات التي تضرب بالمصلحة العامة عرض الحائط.

احتكار فاضح

وفي ظل غياب الرقابة والمعايير الصارمة من الجهات المختصة، استغل بعض المزارعين والتجار الحاجة الماسة للمياه، حيث أصبحت الأسواق تشهد نوعاً من الاحتكار غير الرسمي، إذ ينتهز هؤلاء التجار فرصة عدم وجود رقابة فاعلة، ويحددون أسعار المياه وفقاً للمكان وارتفاع المباني في بعض من أحياء المدينة، فكلما زاد ارتفاع المبنى، زادت التسعيرة، بحجة ارتفاع تكاليف النقل والمحروقات، فضلاً عن تأخيرهم في انتظار دورهم في تعبئة الصهاريج، هذا ما بينه أحد أصحاب الصهاريج، الأمر الذي أدى إلى احتكار المياه بشكل غير رسمي، وارتفاع سعر خزان المياه للخزان 5 براميل، إلى حوالي 90 ألف ليرة سورية.

أحوال الناس

من جهته أعرب أبو كريم عن استيائه، قائلاً: منذ صدور القرار بتوزيع المياه نظراً للواقع الحالي في شحها، يسعى جاهداً وعبر تشغيل المولدة إلى سحب المياه مستغلاً انقطاع التيار الكهربائي، حتى لا يضطر لشراء المياه.
وفي ذات السياق بينت ماجدة أحمد أنها في أحد الأيام وبعد غيابها عن منزلها لعدة أيام، وبعد سرقة خزان المياه لديها من أحد الجيران، اضطرت لشراء المياه من أحد الصهاريج بقيمة 80 ألف ليرة سورية، لقاء 5 براميل، وهي لا تكفي لأكثر من 3 أيام ما جعلها مستاءة.
أما ريمان فقد بينت أنها عند شرائها الخضروات تقوم بشم الحشائش فإن وجدتها ذات رائحة (زنخة) وتربتها ذات لون اسود فلا تقوم بشرائها، لأنها تعلم أنه تم ريها بمياه الصرف الصحي.

إجراءات رقابية

و هنا يبين الخبير التنموي غسان جيرودي، أنه ومع تشابك التحديات، تبرز الحاجة الماسة إلى إجراءات رقابية صارمة من الجهات المعنية، (وزارة الزراعة ووزارة الصحة والموارد المائية)، والتي يمكن أن تضمن مراقبة كل ما يضمن العيش الكريم، بالإضافة إلى توعية المجتمع على أهمية عدم ري المزروعات بالمياه الرمادية لما تخلفه من أمراض، والعمل على عدم احتكار المصادر المائية من قبل تجار الأزمة، ليس في دمشق فقط بل في ضواحيها، كما أنه من الضروري التوجه نحو حلول مستدامة تعتمد على الاستخدام الأمثل للموارد المائية، وتطبيق معايير صحية وبيئية صارمة، لضمان بقاء المياه حقاً من حقوق الإنسان، وألا تستخدم كوسيلة للنهب والاحتكار واستغلال حاجة الناس، فالمياه عصب الحياة، وليست أداة للربح غير المشروع كما يتضح في المشهد الحالي، حيث يتحول مصطلح “مصائب قوم عند قوم فوائد” إلى واقع مرير يعيش نتائجه سكان المدينة..

Leave a Comment
آخر الأخبار