مغارة موسى جوهرة بلودان فرصة ثمينة لإعادة إحياء السياحة في سوريا

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – بشرى سمير:
في قلب جبال بلودان الخلّابة، على مقربة من دمشق، تتربعُ مغارة موسى كشاهدٍ على إبداع الإنسان وروعة الطبيعة. هذه المغارة، التي حُفرت بأيادي أهالي بلودان على مدى قرن من الزمان، ليست مجرد معلم سياحي، بل رمزٌ تاريخي وثقافي يحكي قصة صمود وإرادة. مع انحسار وطأة الأزمات في سوريا، تبرز مغارة موسى كواحدة من الوجهات الواعدة لإعادة تنشيط السياحة في البلاد، حاملةً في طياتها دلالات تاريخية عميقة وجاذبية سياحية فريدة.

مغارة موسى.. تحفة طبيعية وإنسانية

تقع مغارة موسى على سفح جبل بلودان، وتمتد داخل جوف صخري يبلغ عمقه حوالي 300 متر وعرضه 50 متراً، لتشكل فضاءً يمزج بين عظمة الطبيعة ودقة الصنعة البشرية. بدأت حكاية المغارة قبل أكثر من قرنين حين بدأ أهالي المنطقة بحفرها لاستخراج رملٍ خاص يستخدم في البناء، بطريقة هندسية تثير الإعجاب حتى اليوم. ما يميز المغارة هو تصميمها الداخلي الذي يعكس مهارة فطرية وإبداعاً يدوياً حيث تم تشكيلها بعناية لتتحول من مجرد منجم إلى معلم سياحي يجذب الزوار من داخل سوريا وخارجها.
خلال سنوات الصراع أغلقت المغارة بسبب الحرب لكن مع استعادة الأمن والاستقرار عادت المغارة لتفتح أبوابها الصخرية لتستقبل الزوار مجدداً وتستعيد مكانتها كوجهة سياحية بارزة.
يقول الدكتور عماد سعيد أستاذ في قسم التاريخ بجامعة دمشق لجريدة “الحرية”: مغارة موسى ليست مجرد تجويف صخري، بل هي شاهد على تاريخ بلودان وجهود أهلها. استغرق حفرها مئة عام، بالطرق البدائية والبسيطة عبر الفأس والفانوس، ونقل الرمل إلى خارجها على الحيوانات الدابة، فيما يصل عمقها إلى نحو 300 متر ومساحتها 7 آلاف متر مربع ممّا يعكس التفاني والمثابرة التي تحلى بها سكان المنطقة.
ويضيف سعيد : “روى أهالي المنطقة قصصاً عن مراحل تشكيلها، موضحين أنها ليست ناجمة عن استخراج موارد، بهدف الحصول على مادة (رمل المازار) الذي تعد من أجود أنواع الرمال المستخدمة للبناء في تلك الفترة بل هي مشروع جماعي يعكس روح التعاون والإبداع. هذه القصص تضفي على المغارة طابعاً إنسانياً، يجعل الزائر يشعر بأنه يتجول في صفحة حية من تاريخ سوريا.
سميت بمغارة موسى حيث مالكها (موسى المرعي) الذي بذل جهداً كبيراً على مدى عشرات السنين في تحويل المغارة إلى معلم سياحي حيث بقي قرابة الـ20 عاماً يعمل بيده داخلها.
في القسم المنخفض داخل المغارة توجد بحيرة كبيرة وضع فيها قارب صغير لنقل الراغبين وبأسعار رمزية وتعد منطقة بلودان (55 كيلومتراً غرب مدينة دمشق)، أحد أهم المقاصد السياحية في البلاد، فهي تطل على سهل الزبداني ببساتينه وأشجاره المثمرة وتعتبر مصيفاً رائعاً بسبب ارتفاعها نحو 1500 متر عن سطح البحر.
ويذكر الدكتور سعيد أن بلودان تاريخياً كانت مركزاً للاصطياف والاستشفاء، حيث يجتمع فيها جمال الطبيعة مع مناخها المعتدل. وتأتي مغارة موسى لتكمل هذه الصورة، حيث أصبحت رمزاً للإرث الثقافي والتاريخي الذي يمكن أن تستثمر فيه سوريا لإعادة بناء صورتها السياحية.
وأضاف بالقول: “تتميز مغارة موسى بموقعها الاستراتيجي في بلودان، وهي بلدة جبلية تُعرف بمناظرها الطبيعية الخلابة وهوائها النقي، المغارة نفسها توفر تجربة سياحية فريدة، حيث يمكن للزوار استكشاف أنفاقها المضاءة بعناية، والتعرف إلى قصصها التاريخية من خلال الجولات المصحوبة بمرشدين. كما أن تحويل المغارة إلى مرفق سياحي حديث، مع إضافة تسهيلات مثل الإضاءة والمسارات الآمنة جعلها وجهة مناسبة للعائلات والسياح من مختلف الأعمار”.
فيما أشار المرشد السياحي محمد البزرة لـ”الحرية”: “المغارة تُعد جزءاً من تجربة سياحية متكاملة في بلودان، التي تضم منتجعات ومطاعم تقدم المأكولات السورية التقليدية. هذا التنوع يجعل المنطقة وجهة مثالية للسياحة الداخلية والخارجية وخاصة مع الجهود الحكومية والمحلية للترويج لهذه المواقع”. ولفت إلى أن السياحة في سوريا تعاني من تداعيات سنوات الصراع التي أثرت في البنية التحتية والصورة الدولية للبلاد. ومع ذلك فإن مواقع مثل مغارة موسى تمثل فرصة ذهبية لإعادة إحياء هذا القطاع. الاستثمار في تحسين البنية التحتية مثل الطرق المؤدية إلى بلودان وتعزيز الحملات الترويجية عبر وسائل الإعلام الدولية يمكن أن يسهم في جذب السياح من دول الجوار والعالم.

Leave a Comment
آخر الأخبار