ملف «الحرية».. البنوك الخاصة في سوريا.. حاجة ماسة إلى إصلاح هيكلي.. تقهقر تقني وتكنولوجي بانتظار الاستدراك

مدة القراءة 8 دقيقة/دقائق

الحرية- يسرى المصري:
شكّلت القوانين التي أصدرها البنك المركزي في عهد النظام السابق، والمتعلقة بسقوف الإقراض ومنع التحويلات المالية، عقبة أمام قدرة البنوك الخاصة على ممارسة دورها المصرفي، وأحبطت محاولات تطويرها.
أضف الى ذلك أن غياب الشفافية والاستقلالية في آليات الاستثمار التي تتبعها المصارف الخاصة أضعف من نموها، وجعلها في حاجة ماسة إلى إصلاح هيكلي شامل، سواء على المستوى الفني أو التكنولوجي.
وتواجه الحكومة السورية تركة اقتصادية ثقيلة، أبرزها الأزمة المصرفية التي ألقت بظلالها على جميع المصارف السورية منذ أن فرضت العقوبات الدولية على النظام البائد في عام 2011، مما أدى إلى تضخم الديون المتعثرة وتراجع قيمة الليرة.
وبات من الضرورة وجود إستراتيجيات فعالة لمعالجة الديون عبر إنشاء شركات متخصصة في إدارة الأصول المتعثرة، وهو نموذج استخدمته دول أخرى مثل الولايات المتحدة، وذلك بعد الأزمة المصرفية في الثمانينات، كما استخدمته ماليزيا في 1989، وأيرلندا بعد الأزمة المالية 2009.
ومن أحد الحلول المحتملة هو تخصيص جزء من الديون غير القابلة للتحصيل لشركات إدارة الأصول المتعثرة، وهو ما سيساعد المصارف السورية على تقليل آثار الأزمة المالية.

الاستخدام السياسي للمصارف الخاصة أضعف قدرتها على تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة

فالقطاع المصرفي السوري يحتاج إلى تعزيز رأس المال لتمكينه من تحمل المخاطر المتزايدة، لتحسين الكفاءة وزيادة الثقة.

تجربة تركية ونموذج مقترح
وبحسب تقرير اقتصادي فقد عرضت تركيا على الجانب السوري الاستفادة من تجربتها في بناء نظام مصرفي رقمي حديث قائم على الخدمات المالية المفتوحة.
وقال مدير المكتب المالي في الرئاسة التركية غوكسال أشان: إن تبني سوريا نموذجًا مشابهًا للنظام التركي من شأنه اختصار عقود من التطوير إلى بضع سنوات فقط، مما يوفّر الوقت والموارد.
وأوضح أشان أن الانتقال إلى نظام مالي رقمي يمكن أن يحقق طفرة نوعية خلال فترة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات، مقارنة بعشرين عامًا في حال اتباع الأساليب التقليدية.
وأشار إلى أن هذا النموذج يتسم بانخفاض تكاليفه وقلة اعتماده على الموارد البشرية، مما يتماشى مع واقع سوريا الراهن، في ظل نزيف الكفاءات وهجرة العاملين في القطاع المالي.
وإذا توفرت الظروف المناسبة، فإن تركيا، بخبرتها الواسعة، قد تلعب دورًا محورياً في إعادة هيكلة النظام المصرفي السوري.

دعم القطاع الخاص
ويشدد تركاوي على ضرورة دعم البنوك الخاصة، وتمكينها من أداء دورها التنموي، ويقترح في هذا السياق تعزيز رؤوس أموال هذه المؤسسات من خلال فتح المجال أمام الاكتتاب العام وطرح الأسهم، مما يزيد من قدرتها على تمويل المشاريع الإنتاجية.
كما يدعو الحكومة إلى تشجيع المواطنين على فتح حسابات مصرفية وإيداع أموالهم بعد توفير بيئة مصرفية تكنولوجية آمنة وموثوقة. ويعتبر أن خلق بيئة استثمارية مشجعة للشركات المحلية والأجنبية سيسهم في تحفيز النشاط المصرفي، كما أن تفعيل سوق الأوراق المالية سيساعد في توسيع آفاق عمل البنوك.
ويخلص إلى أن تطوير القطاع المصرفي في سوريا هو بوابة أساسية لتطوير مختلف المؤسسات العامة والخاصة، مشددًا على أن أي نهضة اقتصادية مستقبلية لا يمكن أن تتم دون إصلاح جذري في البنية المالية للبلاد.

إنشاء مؤسسات مصرفية خاصة
تأسست البنوك الخاصة في سوريا بموجب القانون رقم 29 الصادر عام 2001، والذي أتاح للمرة الأولى في تاريخ البلاد إنشاء مؤسسات مصرفية خاصة، ونتيجة لذلك، أُسس أول مصرف خاص، “بنك بيمو السعودي الفرنسي”، في عام 2003 لتتبعه لاحقًا سلسلة من البنوك التجارية الخاصة، من بينها: بنك عودة، وبنك سوريا والخليج، وبنك بيبلوس، وبنك سوريا والمهجر، والمصرف الدولي للتجارة والتمويل، وبنك قطر الوطني، والبنك العربي-سوريا، وبنك سوريا-الأردن.
كما شهدت البلاد تأسيس عدد من البنوك الإسلامية مثل: بنك الشام، وبنك البركة، وبنك سوريا الدولي الإسلامي.
وبحسب تقرير مالي نشر على مواقع اقتصادية موثوقة، فإن القطاع المصرفي السوري ظل يعاني من اختلالات هيكلية رغم محاولات التحديث المحدودة التي طالت بنيته، وبقي هذا القطاع في مجمله حبيسًا لدور مرسوم وموجَّه ضمن المنظومة الاقتصادية السياسية.
يشير التقرير إلى أن البنوك الخاصة استطاعت أن تتمتع بقدر أكبر من الاستقلالية والمرونة مقارنة بنظيراتها الحكومية، وأسهمت لاحقًا في الناتج المحلي الإجمالي، مدفوعة بنمو ملحوظ في أصولها، رغم القيود والتحديات المتزايدة.
قبضة السلطة على البنوك الخاصة
وأوضح الباحث والخبير في الاقتصاد السوري يونس الكريم في تصريح إعلامي أن معظم مؤسسي البنوك الخاصة في سوريا ينتمون إلى رجال أعمال، تجمعوا لاحقًا تحت مظلة شركتين رئيسيتين تتبعان لمقربين من النظام البائد هذه البنوك لعبت دورًا رئيسياً في تجميع أموال المودعين التي خصصت لاحقًا قروضاً ضخمة لأعضاء مجالس إدارتها والمقرّبين منهم، إلى جانب تمويل عدد من رجال الأعمال المرتبطين بالنظام.

وأشار إلى أن أحد أبرز أدوار البنوك الخاصة تمثّل في جمع النقد الأجنبي، خاصة الدولار الأميركي، من الأسواق المحلية، في ظل منع البنوك الحكومية (باستثناء البنك التجاري السوري) من التعامل به. وقد منح ذلك رجال الأعمال الموالين للنظام سيولة مالية كبيرة مكّنتهم من التحكم بالمشهد الاقتصادي المحلي، وتنفيذ استثمارات خارج البلاد.
ويرى الكريم أن هذا الاستخدام السياسي للمصارف الخاصة أضعف من قدرتها على أداء دورها الأساسي، خصوصًا في تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وهو الهدف الذي بُرر من خلاله إدخالها إلى السوق المصرفية السورية.

الانتقال إلى نظام مالي رقمي يمكن أن يحقق طفرة نوعية خلال فترة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات

وأضاف: إن بعض البنوك التي تحمل أسماء مؤسسات عربية أو دولية، كـ”بنك البركة” و”بنك قطر الوطني”، تم ترخيصها من خلال شركات سورية محلية استخدمت هذه العلامات التجارية واجهةً. ومع فرض العقوبات على سوريا عقب الثورة، وانسحاب الشركاء الأجانب، بقيت هذه الشركات تدير البنوك محليًا، دون أي صلة فعلية بالبنوك الأم، ودون تأثير يُذكر للمؤسسات الأجنبية المالكة سابقًا.
قطاع مصرفي هش
من جهته، يؤكد الباحث الاقتصادي في مركز جسور للدراسات خالد تركاوي في تصريح إعلامي أن البنوك السورية الخاصة ضعيفة بطبيعتها، سواء من حيث رأس المال أو الخبرة المؤسسية، وهي حديثة النشأة ولا تمتلك من الكفاءة أو الاستقلالية ما يجعلها قادرة على تمويل مشاريع أو قيادة نشاط اقتصادي فعال.
ويعزو تركاوي ضعف القطاع المصرفي برمّته إلى هشاشة السوق الداخلية، والتي ازدادت سوءًا بفعل التضخم والركود الناجمين عن الحرب، والتغيرات المستمرة في توازنات القوى الاقتصادية داخل البلاد.
كما أشار إلى أن تدهور قيمة الليرة السورية فرض على المصارف الخاصة أعباء تشغيلية إضافية، لا سيما ما يتعلق بتأمين وتخزين الأموال النقدية في ظل الحاجة إلى مساحات آمنة وبنية لوجيستية معقدة، مما أدى إلى ارتفاع كبير في التكاليف.
تحديات إعادة الإعمار.. عقبات مصرفية هيكلية
ويصطدم الدور المرتقب للبنوك السورية، سواء الخاصة أو الحكومية، في مرحلة إعادة الإعمار بعدة تحديات أساسية، أبرزها:
استمرار العقوبات الغربية والدولية على القطاع المصرفي، خاصة تلك المفروضة على البنك المركزي، الجهة المشرفة على كافة العمليات المصرفية الداخلية والخارجية.
انعدام الثقة من قبل الشركات الأجنبية، التي امتنعت عن ضخ أو إيداع أموالها في البنوك السورية الخاصة.
تراجع الثقة العامة لدى المستثمرين المحليين والدوليين في المنظومة المصرفية السورية.
غياب الانفتاح العربي على تأسيس بنوك جديدة في سوريا بسبب ضيق السوق المالية وعدم الاستقرار السياسي.
غياب مؤشرات واضحة بشأن قيمة العملة السورية، مما يحد من قدرة البنوك الأجنبية والعربية على تقييم المخاطر والاستثمار في هذا القطاع.

اقرأ أيضاً:

ملف «الحرية».. أزمة ثقة بالبنوك السورية تتوعد المواطن والاقتصاد معاً.. خبراء يشخصون الداء ويصفون الدواء وخريطة طريق للخروج من المأزق

Leave a Comment
آخر الأخبار