الحرية – ماجد مخيبر:
في ظلّ استمرار الأزمة الاقتصادية السورية، يبرز مفهوم “اقتصاد الندرة” كواقع مُعاش، حيث يُعاني البلد من شحّ الموارد الأساسية، بدءاً من الطاقة والغذاء وصولاً إلى العملة الصعبة والاستثمارات، هذا الوضع يفرض تحديات جسيمة تتطلب حلولاً غير تقليدية، وخاصةً في ظل العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على البلاد، وانهيار البنية التحتية، وتراجع الإنتاج المحلي.
الدكتورة زبيدة القبلان رئيس مجلس أمناء مؤسسة حقولنا الخضراء ذكرت لـ”الحرية” أبرز التحديات الاقتصادية التي يواجها الاقتصاد السوري والمتمثلة بندرة الموارد الأساسية واعتماد كبير على الواردات في ظل تراجع الإنتاج الزراعي والصناعي، إضافة إلى أزمة الطاقة الحادة وانقطاع الكهرباء المزمن، ما يعيق أيّ نمو اقتصادي، بالإضافة إلى انهيار العملة المحلية وما رافقها من التضخم الجامح وتراجع قيمة الليرة السورية، ما أدى إلى انخفاض القوة الشرائية وتحكم السوق السوداء بسعر الصرف على حساب سعر المركزي بسبب السياسات المالية المتبعة وعدم القدرة على كبح جماح المضاربات بسعر الدولار واستمرار غلاء السلع، ما يؤثر سلباً على القوة الشرائية لدى المواطن، ونزيف الكفاءات وهجرة العقول والأيدي العاملة الماهرة، ما يُضعف القدرة على إعادة الإعمار.
القبلان: في أزمة اقتصاد الندرة يعد غياب الاستقرار الأمني وانعدام السلم الأهلي عامليْن مُعقّديْن حيث يُفاقمان الشحّ في الموارد ويعيقان أيّ جهد لإعادة الإعمار أو تعزيز الإنتاج
أدوات تجاوز أزمة اقتصاد الندرة
الخبيرة الاقتصادية ترى أنه لتجاوز أزمة اقتصاد الندرة لا بد من تعزيز الإنتاج المحلي ودعم الزراعة والصناعات الصغيرة لتقليل الاعتماد على الاستيراد، وتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة عبر التمويل متناهي الصغر، والتحوّل نحو الاقتصاد التشاركي واستخدام الطاقة المتجددة (كالطاقة الشمسية) لتعويض نقص الوقود، وتفعيل نظام المقايضة المحلي في المناطق الأكثر تضرراً، وإصلاح النظام النقدي وتعزيز العلاقات الاقتصادية الإقليمية وتطوير التبادل التجاري مع دول الجوار: (مثل العراق ولبنان الأردن والخليج أوروبا شرق آسيا) وتفعيل التجارة الإلكترونية والخدمات عن بُعد لتجاوز بعض قيود العقوبات.
الاعتماد على المساعدات والتمويل الدولي المحدود
كما تعول قبلان على التنسيق مع المنظمات الدولية لتأمين المساعدات الإنسانية والتنموية وخلق آليات فاعلة لتمويل المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، مع الإشارة إلى تأثير الاستقرار الأمني والسلم الأهلي على اقتصاد الندرة في سوريا، ما يسبب أيضاً تحديات إضافية ويجب أن تكون هناك آليات وحلول تخرج بها الدولة والمجتمع من عنق الزجاجة، وفي سياق الأزمة السورية، يُعد غياب الاستقرار الأمني وانعدام السلم الأهلي عامليْن مُعقّديْن لأزمة اقتصاد الندرة، حيث يُفاقمان الشحّ في الموارد ويعيقان أيّ جهد لإعادة الإعمار أو تعزيز الإنتاج.
وحول آليات دمج الاستقرار الأمني والسلم الأهلي في حلول الأزمة الاقتصادية أوضحت الخبيرة الاقتصادية أن ربط الإعمار بالسلام المحلي يتم من خلال توجيه جزء من المشاريع التنموية (كإصلاح المدارس أو المستشفيات) إلى المناطق الأكثر هشاشة، لتحفيز المصالحة المجتمعية، وتشجيع مشاريع “الكسب السريع” التي تُوفر فرص عمل فورية وتُقلل من جاذبية العنف.
وأيضاً يجب العمل على إدارة الموارد الطبيعية وضمان توزيع عادل للموارد (كالمياه والطاقة) بين المناطق، لتجنب النزاعات المحتملة، وإشراف دولي أو محايد على موارد النفط والغاز في الشمال الشرقي، لضمان شفافية العائدات، مع العمل على تعزيز الحوكمة المحلية، وتفعيل المجالس المحلية في إدارة الخدمات الأساسية (كالكهرباء والمياه)، لبناء ثقة المجتمع بالدولة، ومكافحة الفساد عبر آليات رقابة مشتركة بين الأهالي والجهات الرسمية.
دمج النازحين والعائدين في الاقتصاد من خلال برامج إقراض مدعومة لمنظمات الإغاثة
ومن المقترحات المهمة التي قدمتها الخبيرة التنموية زبيدة القبلان دمج النازحين والعائدين في الاقتصاد من خلال برامج إقراض مدعومة لمنظمات الإغاثة لتمكين النازحين من إطلاق مشاريع صغيرة، وحماية الأراضي الزراعية للمهجرين ومنع الاستيلاء عليها، لضمان عودتهم مستقبلاً إليها.
دمج النازحين والعائدين في الاقتصاد من خلال برامج إقراض مدعومة لمنظمات الإغاثة لتمكين النازحين من إطلاق مشاريع صغيرة وحماية الأراضي الزراعية للمهجرين
في الختام تؤكد الخبيرة الاقتصادية أنه لا يمكن فصل إنعاش الاقتصاد السوري عن تحقيق حدّ أدنى من الاستقرار الأمني والسلم المجتمعي، فالأمن ليس ترفاً، بل هو أساس لجذب الاستثمارات، وإعادة الإنتاج، وبناء الثقة بين المواطن والدولة. يتطلب ذلك رؤيةً تدمج الإصلاح الاقتصادي بخطوات سياسية ومجتمعية تُعيد اللحمة للسوريين، وتُحوّل موارد الصراع إلى موارد للتنمية.
ولا يمكن الخروج من أزمة اقتصاد الندرة في سوريا من دون رؤية إستراتيجية تعتمد على الاكتفاء الذاتي النسبي، والإصلاح المؤسسي، وخلق تحالفات اقتصادية إقليمية بعيداً عن السياسة. التحديات كبيرة، ولكن الأدوات موجودة إذا وُجِدت الإرادة السياسية والاجتماعية لتفعيلها وخاصة تعديل القوانين لجهة خدمة تنشيط الاقتصاد السوري والتشجيع على الاستثمار في كل نواحي الحياة مهما كان رأس المال صغيراً أم كبيراً، الأهم هو البيئة الآمنة.
اقرأ ايضاً: