الحرّية- هبا علي أحمد:
يشرح الخبير الاقتصادي الدكتور محمد كوسا مفهوم الندرة الاقتصادية وفقاً للحالة السورية، إذ تفاقمت الندرة بسبب الحرب والأزمات، حيث دمرت البنية التحتية، تلاها هروب رأس المال البشري والمادي (خسارة 17% من القوى العاملة المؤهلة) ثم أتت العقوبات الدولية، إلى جانب ذلك انخفض الإنتاج المادي والخدمي من النفط والزراعة والصناعة بسبب الأضرار والنزوح، يُضاف إليه التقلص الذي أصاب الموارد المالية، ولعلّ أبرزها انهيار سعر صرف العملة، النقص الكبير في مجال الاستثمار، واعتماد كبير على المساعدات الخارجية، إذ تحول الاقتصاد إلى اقتصاد كفاف يعتمد على المساعدات بنسبة (70%).
الأكثر ندرة
ويستعرض كوسا عناصر الإنتاج الأكثر ندرة في سوريا، من بينها الرأس مال المادي، إذ إن تدمير المصانع (40% من المنشآت الصناعية) والبنى التحتية (مثل الكهرباء والنقل)، أعاق الإنتاج وقلصه لأدنى مستوياته بنسبة تفوق 60% في معظم القطاعات، والعمالة الماهرة بسبب هجرة الكفاءات (هجرة أكثر من 50% من الأطباء والمهندسين)، الأمر الذي أضعف القطاعات الحيوية، إلى جانب ذلك هناك ندرة في قطاع الطاقة من حيث انخفاض إنتاج النفط (فقدان 90% من إنتاج النفط) والكهرباء تسبب بتعطيل الصناعة والخدمات، كما إن ندرة التمويل (انكماش القاعدة النقدية بنسبة 85%) بسبب نقص السيولة والاستثمارات وتآكل الاحتياطي الأجنبي بشكل شبه كامل يحد من إعادة الإعمار.
كوسا: تفاقمت الندرة بسبب الحرب حيث دُمِرت البنية التحتية تلاها هروب رأس المال البشري والمادي والعقوبات و انخفض الإنتاج
وبالتالي وفقاً للدكتور كوسا، فإن تلك الندرة تترك أثرها على جميع القطاعات وعلى النمو، إذ إن نقص الوقود والمياه يقلص المساحات المزروعة إلى النصف، كما إن توقف الإنتاج المحلي دفع إلى الاعتماد على المواد المستوردة بنسبة 80%، ونقص الكوادر والتمويل سبب انهيار قطاع الصحة (توقف 60% من المرافق الصحية عن العمل بكامل طاقتها) والتعليم إذ أصبح ترتيب الجامعات السورية خارج التصنيفات العالمية.
إضافة إلى ما سبق، تتسبب الندرة بتباطؤ النمو نتيجة نقص المواد الخام والطاقة والعمالة الماهرة، وارتفاع التكلفة الكلية تبعاً للاعتماد على الاستيراد وندرة العملة الصعبة، مع تفاقم الفقر وتراجع القوة الشرائية، مما يقلل الطلب المحلي ويُعيق التعافي.
سياسات المعالجة
يُقدّم الدكتور كوسا جملة من المقترحات والسياسات الواجب اتباعها لمعالجة الندرة الاقتصادية في سوريا، عبر القيام بإصلاح مؤسسي بما يتضمنه من تحسين الحوكمة والإدارة الرشيدة وتبسيط الإجراءات ومكافحة الفساد لجذب الاستثمارات، إعادة تأهيل البنية التحتية (الكهرباء، النقل، الاتصالات)، تشجيع الإنتاج المحلي بكل السبل وعلى كافة الجغرافية السورية، دعم الزراعة والصناعة عن طريق دعم المشاريع الصغيرة لتقليل الاعتماد على الاستيراد، وتوفير قروض ميسرة للمنتجين.
كما يُشكّل استقطاب الكفاءات من أبرز سياسات المعالجة عبر تقديم حوافز للمهاجرين ذوي المهارات للعودة (إعفاءات ضريبية، ضمانات عمل)، إلى جانب التعاون الإقليمي والدولي عبر فتح قنوات تجارية مع دول الجوار وفتح أسواق فيها (مثل الأردن و العراق ولبنان وتركيا) للإقلاع بمستوى إنتاج أعلى، وجذب استثمارات من دول داعمة في قطاعات الطاقة والبناء، إضافة إلى الإصلاح النقدي من خلال استقرار سعر الصرف عبر سياسات مصرفية أكثر كفاءة، وتشجيع التحويلات المالية من المغتربين.
تتفاقم..!
الخبير الاقتصادي والمستشار الدكتور زياد عربش يوافقه الرأي، ويُشير إلى أن الندرة تتفاقم في سوريا لعدة أسباب تتمحور في تدهور الموارد الطبيعية (مياه، نفط، غاز)، انهيار الإنتاج (زراعة، صناعة، خدمات)، والأزمات المالية (تضخم، انهيار العملة، نقص السيولة)، مُشيراً إلى أنّ النزاع المسلح وتدمير البنية التحتية، سوء الإدارة الاقتصادية، انتشار الفساد وهجرة الكفاءات ورؤوس الأموال، من أبرز أسباب تفاقم الندرة.
عربش: لمعالجة تفاقم الندرة وتحقيق النمو الاقتصادي لابدّ من إصلاح هيكلي للاقتصاد وإعادة إعمار القطاعات الإنتاجية
بالتالي لمعالجة تفاقم الندرة وتحقيق النمو الاقتصادي لابدّ من إصلاح هيكلي للاقتصاد وإعادة إعمار القطاعات الإنتاجية (زراعة، صناعة، طاقة)، إلى جانب تنويع مصادر الدخل (الاستثمار في الطاقة المتجددة، السياحة) واعتماد سياسات مالية ونقدية رشيدة مثل تثبيت سعر الصرف، مكافحة التضخم، إصلاح النظام المصرفي، ضبط الإنفاق الحكومي وتحفيز الاستثمار، الشفافية في مناخ الأعمال وجذب الاستثمارات وتعزيز الحوكمة ومكافحة الفساد، وفقاً لعربش، وبالطبع لابدّ من سياسات اجتماعية داعمة، وإعادة هيكلة الدعم لاستهداف الفقراء، وإيلاء التدريب المهني الأهمية.
بالمحصلة، فإن أزمة الندرة تتطلب إرادة سياسية للإصلاح، إضافة إلى الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
اقرأ ايضاً:
ملف «الحرية».. هل نستطيع مواجهة ندرة الموارد المادية والطبيعية التي يعيشها اقتصادنا اليوم..؟!