الحرية- باديه الونوس:
تعد إشكالية عدم اعتماد بذار صافي السلالة أو مجهولة من أولى أسباب تراجع إنتاجية القمح إلى حدوده الدنيا، إذ يؤكد أهل الخبرة أنه توجد أسباب كثيرة منها تعود إلى تدمير مراكز إكثار البذار خلال السنوات الماضية، وسوء التخزين في الصوامع، والنتيجة اعتماد بذار غير معروفة أصوله، إضافة إلى دخول البذار المهرب إلى البلاد وما يحمله من أمراض منها (النيماتودا)، وهو العدو الأول للقمح، ناهيك بعوامل معروفة للجميع من ضعف مستلزمات الإنتاج وعدم توافر المحروقات والأسمدة وغيرها، في المقابل هناك الجانب المشرق وفي هذا الصدد يؤكد مدير إدارة البحوث الزراعية د. تامر حنيش في هيئة البحوث العلمية الزراعية أنه تم استنباط سلالتين مبشرتين من القمح القاسي لمناطق الزراعات المروية تتميز بالإنتاجية العالية وسيتم اعتمادهما قريباً..
نتناول في موضوعنا هذا ما هي تحديات البذار؟ .. هل من دراسات جديدة لاستنباط أصناف من القمح؟.. ما هي الاقتراحات التي من الممكن أن تعيد للقمح مجده وألقه؟
“كنا نخزن البذار”
عاش أبو حسين طوال حياته في زراعة أرضه في ريف حماة، يزرع سنوياً مساحات كبيرة بالقمح، ويحيا على أمل إنتاج موسم وفير، يقول: في السنوات العشر الأخيرة انخفض إنتاج الدونم بشكل متفاوت إلى النصف وفق تقديراته من خلال تدني الإنتاجية بعدد الأكياس التي ينتجها الدونم الواحد، يتحدث أبو حسين بعين الخبير قائلاً: كنا في الماضي نخزن البذار الجيد من عام لآخر حتى لا نشتري بذاراً لا نعلم عن جودته شيء، إضافة إلى ذلك، ضعف الدعم الحكومي لمتطلبات الزراعة من محروقات ومبيدات والسعر المخجل بعد جني المحصول الذي لا يغطي تكاليف الزراعة، كل ذلك أدى إلى خسارة الفلاح.. هذا حال مزارع القمح الذي يعد الحلقة الأهم بموضوع البذار.
انخفاض كبير في الإنتاجية
يؤكد الخبير في الشؤون الزراعية ومدير سابق لحوض العاصي المهندس محمد جغيلي أن إنتاج سوريا في السابق يزيد على 4.5 ملايين طن يتم استهلاك النصف كحاجة داخلية للاستهلاك ويتم تصدير الفائض، حيث كان يتم استبدال كل واحد كيلو قمح طري مقابل ٢ كيلو من القمح القاسي، ومع تصاعد الأحداث حتى سقوط النظام البائد، كما هو معروف تعرضت مراكز إكثار البذار للتخريب، وتدمير للبنى التحتية، ما اضطر الجهات المعنية إلى نقل البذار من الصوامع و(التي هي خليط عجيب وغريب) إلى مؤسسة الحبوب لتوضع في صالة ويتم غربلتها وتعقيمها بشروط تخزين غير مناسبة ومن ثم توزيعها على الفلاحين، وهذا الخطأ تسبب بخفض إنتاجية القمح على امتداد ساحة الوطن لينخفض الإنتاج إلى ٢٠٠ ألف طن.
د حنيش: تكمن مشكلات البذار في البذار المهرب الذي دخل البلد وهو يحمل الأمراض مثل مرض (النيماتودا) العدو الأول للقمح
وبيّن أن هذا الواقع أدى إلى عدم إمكانية إنتاج بذار من سلالات صافية وتوزيعها على الفلاحين، والنتيجة أنه أصبح البذار غير معروفة أصوله، مشيراً إلى أنه إذا ما نظرنا إلى حقل القمح نجد تفاوتاً واضحاً في طول السنبلة أدى إلى تفاوت في الإنتاجية.
ضعف مستلزمات الإنتاج
يضيف م.الجغيلي إن المعارك التي شهدتها مناطق سوريا تسببت بخروج مساحات كبيرة من الإنتاج منها شمال شرق الفرات التي كانت تنتج ٨٠ % من إنتاج سوريا، إضافة إلى مناطق في ريف حلب، كل تلك العوامل أدت إلى انخفاض الإنتاجية إلى حد ١٠%. فقط مما كان ينتج سابقاً. إضافة إلى غياب مستلزمات الإنتاج للفلاح من أسمدة محروقات، ومبيدات وغير ذلك انعكس سلباً على الإنتاجية بشكل كبير.
البذار مهرب!
تكمن مشاكل البذار في البذار المهرب والتي كانت تدخل البلد وهي تحمل الأمراض مثل مرض “النيماتودا” العدو الأول للقمح علماً أنه لم يكن موجود سابقاً في سوريا، ووفق رؤية مدير إدارة البحوث الزراعية في هيئة البحوث العلمية الزراعية الدكتور تامر حنيش في حديثه لصحيفتنا (الحرية) أن البذار المهرب دخل إلى البلاد مؤخراً وترك بقاياه في التربة ومن ثم تتكاثر هذه البقايا وتنتقل من حقل إلى آخر عن طريق البذار.
نعمل على استنباط أصناف جديدة
يضيف د حنيش أن الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية تعمل على استنباط العديد من أصناف القمح (القاسي والطري)، ملائمة للزراعة المروية والبعلية بذار نوية أو بذار المربي والتي تصل نسبة النقاوة فيها إلى 99% ويتم تسليمها للمؤسسة العامة لإكثار البذار لإكثارها وتوزيعها على المزارعين، إضافة إلى أن 50% من بذار أصناف القمح المستخدم في الزراعة من قبل المزارعين مصدره المؤسسة العامة لإكثار البذار وهي من الأصناف المعتمدة من قبل الهيئة العامة للبحوث الزراعية والتي تم تزويد
المؤسسة العامة لإكثار البذار بنوياتها لإكثارها وتوزيعها على المزارعين، وهذا مؤشر جيد على أن الأصناف الجديدة تلقى تبنياً عالياً من قبل المزارعين، لكن يبدو أن تطبيق المزارعين للحزم التقنية الداعمة والمرافقة لاستخدام الصنف تحتاج إلى تقييم من حيث تبنيها ونسب تطبيقها.
عدم تطبيق سياسة الدورة الزراعية
من المؤكد أن القمح السوري كان مشهوداً له بجودته سابقاً وحالياً ولكن هناك أسباب أدت إلى تدهور الإنتاجية منها: الممارسات التي كانت تمارس من قبل النظام البائد وفق د.حنيش منها مثلاً عدم توفر مستلزمات إنتاج من محروقات وأسمدة ومبيدات زراعية..الخ، وفي حال توافرت تكون بأسعار باهظة إضافة إلى عدم تطبيق سياسة الدورة الزراعية، حيث كان هناك إجبار من قبل الدولة على تطبيق زراعة القمح بشكل متوالٍ لكل عام وهذا ما أثر سلباً بإنتاجية القمح.
الجغيلي: نحتاج إلى نهضة اقتصادية وإعادة هيكلة مؤسسة إكثار البذار بكادر مؤهل لإنتاج الأصناف الصافية وتوزيعها على الفلاحين
وتأتي أيضاً عوامل ضعف نقل التقنيات الزراعية الحديثة إلى المزارعين ومستوى التبني إضافة إلى سياسات الحكومة السابقة من عدم تأمين مستلزمات إنتاج بأسعار مناسبة وعدم منح القروض الزراعية وعدم تحديد أسعار مشجعة وكذلك محدودية الحيازات الزراعية.
دراسات جديدة
يؤكد مدير إدارة البحوث أنه توجد دراسات علمية تم استنباط مبشرة لسلالتين من القمح القاسي لمناطق الزراعات المروية تتميز بالإنتاجية العالية ومقاومة الأمراض مقارنة مع الأصناف المحلية لمناطق تم تجهيز تقارير الاعتماد الخاصة بها وهي جاهزة للاعتماد قريباً.
نحتاج نهضة جديدة
أمام هذا الواقع ما الحلول المقترحة التي يمكن أن تطرح حتى نعيد الإنتاج لسابق عهده، ونؤمن حاجتنا من إنتاج القمح، يؤكد الخبير في الشؤون الزراعية م. الجغيلي أنه لا بد من العودة إلى نقطة البداية ولا بد من نهضة جديدة لإعادة اقتصادنا وخاصة القمح الذي يعني أمننا الغذائي. وهذا يتطلب العمل على: إعادة هيكلة المراكز البحثية العلمية التي تنتج أصناف صافية وتوزيعها على مؤسسة إكثار البذار وإنتاج أصناف صافية بدلاً من الأصناف الهجينة.بموازاة ذلك العمل على جمع ما يمكن جمعه أو ما نعثر عليه من بذور إذا كانت موجودة لدى الفلاحين والاستفادة منها في إنتاج بذار وهذا يستغرق خمس سنوات حتى يتم اعتمادها.
لا بد من إعادة هيكلة المؤسسة
وأضاف: لا بد من إعادة هيكلة مؤسسة إكثار البذار وتأمين الكادر الفني الجيد والمؤهل لتقوم بإنجاز مهمتها بإكثار أصناف بذار صافية وتوزيعها على الفلاحين.
اقتراحات
يقترح د حنيش عدة اقتراحات من الممكن اعتمادها للوصول إلى قمح جيد وإنتاجية غزيرة أولها استخدام الصنف المعتمد المحسن لمنطقة الاستقرار المخصصة فهناك أصناف من القمح مخصصة لمنطقة الاستقرار الأولى وأصناف مخصصة لمنطقة الاستقرار الثانية وأصناف مخصصة للمناطق المروية.
وأضاف: ضرورة التقيد بالحزمة التقنية المتمثلة بالمعاملات الزراعية مثل إضافة السماد الآزوتي والفوسفوري اعتماداً على تحليل التربة وتحضير التربة الملائم وتسوية الأراضي بالليزر واستخدام البذارات الآلية بموازاة التقيد بالزراعة والحصاد في الوقت المناسب، واستخدام المبيدات والأعشاب والاستشارة من المختصين في الوقت المناسب والأهم التركيز على اتباع الدورة الزراعية المناسبة ودعم منتجي القمح ومنح حوافز تشجيعية.
كما اقترح مدير إدارة البحوث إجراء مسوحات ميدانية تطول المزارعين بشكل مباشر لتحديد المشكلات التي يعاني منها المحصول والتقنيات الحديثة التي يطبقها المزارعون ونسب وجودها.
أيضاً وضع الحلول المناسبة للمشكلات المحددة والتوجه للبيئات المستهدفة وإيصالها إلى المزارعين من خلال برنامج إرشادي (أيام حقلية، ندوات، ورشات عمل)، وتأمين مستلزمات الإنتاج بأسعار مناسبة واستلام المحصول بأسعار مشجعة للمزارعين وبموازاة ذلك يجب على الجهات الحكومية تقديم القروض العينية والنقدية للمزارعين ودعم مشروع التحول للري الحديث إضافة إلى دراسة مستوى تبني المزارعين للتقنيات الحديثة بالتدريب والتأهيل ونشر التقانات الحديثة، وتأمين أسواق لتصريف منتجاتهم ودمج الحيازات الزراعية الصغيرة بالطرق الممكنة.
اقرأ ايضاً:
ملف «الحرية».. موسم آخر غير مجزٍ للقمح.. الزراعة تقترح التمويل والتدريب والبحوث تطرح توصيات