ملف «الحرية».. محصول بحجم النفط.. أضاعته السياسات الحكومية السابقة المروجة لمقولة “زيتنا عكر”!

مدة القراءة 7 دقيقة/دقائق

الحرية– مركزان الخليل:

مجرد الحديث عن الثروات الاقتصادية العامة في سورية، والتي تشكل نقاط القوة الأساسية للاقتصاد الوطني، والحالة الاجتماعية الجامعة لقوة العمل، تتبادر إلى الذهن قبل كل شي “شجرة الزيتون” وما تشكله من حالة مادية اجتماعية، تعقبها قوة اقتصادية تدرّ أرباحاً كبيرة على المواطن وخزينة الدولة على السواء، وخير دليل ملايين الأشجار المنتشرة على كامل التراب السوري، إلى جانب مئات الآلاف من الأسر العاملة في مجال التربية وتصنيع زيت الزيتون، دون أن ننسى المعامل المرافقة لهذا القطاع.
وبالتالي عندما نتحدث عن الثروات الزراعية تقفز إلى المخيلة بصورة تلقائية “شجرة الزيتون وزيتها” الذي يحتل سمعة طيبة في الأسواق المحلية والخارجية، والأهم أنه يتصدر قائمة الثروات الزراعية التي تتميز بها سوريا، لما تتمتع به من إنتاجية عالية، ومواصفات وجودة تميزها عن باقي المنتجات الاقتصادية الأخرى وخاصة القابلة للتصدير.

كساد في المادة
اليوم وبعد تحرير سوريا، وعودة كل الأراضي والتي جزء كبير منها غني بإنتاج الزيتون، نجد حالة كساد كبيرة بمادة  زيت الزيتون، علماً أنها تحقق عائداً اقتصادياً جيداً للمزارعين، أسباب كثيرة تقف خلف هذه الحالة منها ما يتعلق بضعف القوة الشرائية، ومنها قلة السيولة، وغيرها كثير، لكن الخبير الاقتصادي أكرم عفيف أكد “للحرية” أن هناك إشكالية كبيرة بموضوع زيت الزيتون، أيام النظام البائد، باعتبارها كانت حكومة مستوردين وتجار، وبالتالي ليس من مصلحتهم حماية المنتج السوري، لذلك كانت هناك إساءة للمنتج المحلي بطريقة مشبعة بالفساد، وليس من مصلحتهم استهلاك زيت الزيتون، أو حتى تصديره، هدفهم كان استلام المادة وفلترتها لبيعها بأسعار خيالية، والأخطر من ذلك اتهام الزيت بعدم الصلاحية للاستهلاك البشري، علماً أن المتعارف عليه منذ القدم أنه لايجوز لأحد أن “يقول عن زيته عكر” وهذه إساءة واضحة لثروة هامة في الاقتصاد السوري، يعول عليها لكسر التوازن بين الاستيراد والتصدير لمختلف دول العالم، وما حدث أن المواطن فقد القدرة الشرائية لشراء أي كمية من المادة حتى لو كانت مادة “خام”.

خبراء: اتباع سياسة تضليل ممنهجة لإرباك السوق وتضرر آلاف المزارعين..!!

وأضاف: إن الأسعار اليوم انخفضت إلى النصف، أي بعد أن كان يباع /البيدون / بأكثر من مليون ليرة أصبح يباع بنحو 500 ألف ليرة، ومع ذلك المواطن لا يملك القدرة الشرائية على اقتناء المادة والذي يعتبر الأساس في ارتفاع أسعار المادة وتحسن مستوى مزارعي الزيتون.

تدني القوة الشرائية
وأضاف عفيف: إن شجرة الزيتون مرت بصعوبات كثيرة خلال الفترات الماضية أثرت بصورة سلبية على إنتاجيتها، في مقدمتها ارتفاع تكاليف التربية والإنتاج ورخص مادة الزيت إلى جانب تدني القوة الشرائية للمواطنين، والأهم وجود سياسات حكومية خاطئة لم تستطع تنفيذ إجراءات إيجابية على أرض الواقع تضمن استمرارية هذا المنتج والحفاظ على هويته التاريخية والاقتصادية.
والأخطر اتباع سياسة تضليل ممنهجة للتحكم بالموسم كما فعلت الحكومة قبل التحرير وإطلاق تصاريح إعلامية تقضي بعدم صلاحية زيت الزيتون السوري للاستهلاك البشري، الأمر الذي أدى إلى إرباك سوق الزيت وتضرر الآلاف من  المزارعين، وآلاف الأسر العاملة وتدهور الحالة الصناعية لهذه المادة، وهذا بدوره يهدد بخروج الآلاف من المنشآت العاملة في حقل تصنيع المادة ومخلفاتها.
وشاطره الرأي الخبير الزراعي المهندس جمال شعيب مؤكداً توجه الحكومات السابقة نحو زعزعة سوق الزيتون، وإيجاد المشكلات للمزارعين، بدلاً من أن تبحث عن حلول تسويقية تساعد، فيها أهل القطاع بالنجاة من الظروف الصعبة التي عانوا منها، ومازالوا سواء طبيعية مثل: الطقس وظروف مادية تتعلق بالتكاليف من سماد وفلاحة وأجور مرتفعة، ساهمت في إضعاف المزارع وعدم قدرته على تحمل الأعباء، وتكاليف الإنتاج والتشغيل للوصول إلى المحصول المطلوب.

حل إنقاذي
وبالتالي أمام كل ذلك لابد من استراتيجية تنهي معاناة قطاع الزيتون وصناعته، والخروج به إلى رعاية أفضل تسمح بإنتاجية قادرة على تلبية حاجة السوق المحلية وتأمين واقع تصديري جيد، يؤمن مصادر دخل بالقطع الأجنبي لخزينة الدولة، أما فيما يتعلق بالحالة التصنيعية لزيت الزيتون فمازالت دون المستوى المطلوب، لكن العمل فيها يتم وفق المواصفات القياسية العالمية المطلوبة، وهذا مرتبط بالنوعية وطبيعة التربة والأسمدة وغيرها.

المطلوب استراتيجية إنقاذية لآلاف المزارعين والصناعيين قادرة على تلبية السوق المحلية وتصدير الفائض

وفي رأي شعيب فإن زيت الزيتون السوري من أجود وأطيب الزيوت في العالم وهو مرغوب في الأسواق العالمية، لكن ذلك كان يواجه مشكلات كثيرة أهمها تكاليف الخدمة وخاصة الحقول المرتفعة كانت خدمتها متواضعة وهذا بدوره أعطى مردوداً ضعيفاً.
وأضاف شعيب: من الضروري الاهتمام بشجرة الزيتون، من حيث تأمين السماد اللازم، وخاصة العضوي لتخفيف فاتورة التكاليف واستخدام العلاج الصحي المناسب لمكافحة الحشرات الضارة، التي تصيب محصول الزيتون، وتقديم الدعم المادي المطلوب، وتمويل العملية الإنتاجية في كل مراحلها، بدءاً من الحقل وصولاً إلى الأسواق  لنتمكن من تقديم منتج سوري قادر على المنافسة على مستوى العالم.

ثروة هائلة
وهنا لابد من الحديث عن الصناعة التي تقوم على مخلفات زيت الزيتون، والتي يمكن اعتبارها ثروة هائلة تستحق الاهتمام أكثر مما كانت عليه سابقاً وحتى اليوم، وخاصة إذا استخدمت بالصورة الصحيحة، وفق تأكيد “شعيب” وأوضح أن عكر الزيت يستخدم في صناعات مختلفة، منها إنتاج الصابون والشامبو والمنظفات، وهذه لها سوق واسعة ليس محلياً بل عالمي أيضاً.
والجانب المهم أيضاً مخلفات التفل، الناتج عن طحن بذور الزيتون لاستخلاص الزيت حيث تتكون التفلة من خليط أخشاب، ولب الحبوب تستخدم هذه في تصنيع مكعبات الأعلاف للإبل والأبقار، كونها تحتوي على سعرات حرارية عالية، كما تستخدم كمصدر حراري لتسخين المياه، إلى جانب استخدام التفل كفحم نباتي في التدفئة ومصدر طاقة لمعامل الإسمنت، حيث تبلغ النسبة المنتجة من عصر الزيتون ما بين 30- 50% تقل من وزن الحبوب قبل العصر، كما تحتوي مخلفات العصر العديد من العناصر الغذائية المفيدة للنباتات، والتي يمكن استخدامها كأسمدة نتيجة احتوائها على النتروجين والفوسفور والبوتاسيوم، إلى جانب استخدام التفل في إنتاج الأسمدة العضوية لتحسين خصوبة التربة وزيادة الإنتاجية.
مما تقدم نجد أن الأهمية الاقتصادية كبيرة ” لشجرة الزيتون وزيتها” تشكل حالة اقتصادية واجتماعية على المستوى الوطني، ولو استثمرت هذه الثروة بكل تفاصيلها فإننا سنجد عائدها الاقتصادي يوازي عائدات النفط، وهذه الصناعة تمتلك كل مقومات ذلك، وهي بحاجة فقط لإدارة ناجحة تذلل الصعوبات وتبحث عن الحلول التي تكفل إنتاجية واسعة، وتطويراً مستمراً لهذه الثروة.

اقرأ أيضاً:

ملف الحرية.. رغم كساده.. مواطنون يجدون زيت الزيتون خارج استطاعتهم

Leave a Comment
آخر الأخبار