ملف «الحرية».. هل تستطيع سوريا العودة إلى إنتاجيتها السابقة؟.. تصدير القمح مرهون باستثمار كامل مناطق الاستقرار الزراعي

مدة القراءة 7 دقيقة/دقائق

الحرية– سامي عيسى:

كنا من المتابعين وما زلنا لمحصول القمح السوري “المحصول الاستراتيجي” الذي احتل طيلة العقود الماضية اهتمام الحكومات المتعاقبة، منها ما وفق في الاهتمام، ومنها فشل في معالجة الصعوبات، والمشكلات التي كانت تعترضه، لأسباب معظمها كان مرتبطاً بطريقة معالجة الحكومات، والجهات المسؤولة عنه، وأخطرها “الفساد الذي كان يضيع في التفاصيل، والإجراءات وكثرة التعاميم والورقيات..!
لكن الحقيقة التي لا يستطيع أحد تجاهلها، أهمية هذا المحصول وقيمته الغذائية، والذي يعد أهم ركائز الأمن الغذائي, الذي تسعى السياسات الحكومية في مختلف دول العالم، إلى تعزيز موارده المحلية, ووضع الاستراتيجيات والخطط اللازمة لتطوير تسويقه، وتصنيعه وتصديره, بما يحقق الاكتفاء الذاتي، ويساعد على تصدر الأسواق الخارجية، وتعتبر سورية من أوائل الدول التي استطاعت الوصول إلى مستويات عالية في إنتاج هذا المحصول الاستراتيجي المهم, حيث بلغ إنتاجنا من القمح عام 2006 ( 4.9) ملايين طن ووصلنا إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي حتى عام 2012، وتصدير قسم كبير من القمح ولاسيما القاسي منه..!

امتحان صعب

لكن هذا التاريخ كان الفاصل ما بين الاكتفاء والتصدير، وبدأ الإنتاج بالتراجع بسبب الحرب وأخطاء الحكومات المتعاقبة، والوصول بالإنتاج 2018 إلى 1.2 مليون طن، ووصوله العام الماضي إلى ما دون 700 ألف طن، وقد يكون الإنتاج هذا العام أقل مما ذكر، دون أن ننسى موجات الجفاف المتعاقبة، كل ذلك يضع الحكومة الجديدة أمام امتحان صعب، يتطلب منها استراتيجية واضحة، لإعادة النهوض بهذا المحصول وتطويره.
هذا الواقع يفرض الكثير من الأسئلة حول نجاح الحكومة في معالجة الصعوبات مع هذا الواقع الصعب، والأهم هل تمتلك سوريا مقومات العودة إلى تصدير المادة مستقبلاً..؟!

عودة بشروط

الخبير الزراعي أحمد الهلال أكد في تصريحه لـ”الحرية” حول واقع القمح لهذا العام، وإمكانية العودة إلى سوق التصدير العالمي لهذه المادة، أن موجة الجفاف التي تتعرض لها سوريا لم تشهدها منذ أكثر من خمسين عاماً، بحجم الخسائر وقسوة المناخ، وارتداداتها السلبية على المزارعين بالدرجة الأولى والدولة ثانياً، مع الأسف كان إنتاجنا من القمح بالملايين، اليوم انخفض إلى بضعة آلاف على كامل مساحة القطر، مع تقدير إنتاج العام الحالي إلى ما دون 800 ألف طن، وهذا الرقم لم نعهده منذ عشرات السنين..!

الهلال: العودة تحتفظ بشروط مسبقة أولها مغادرة الجفاف واهتمام حكومي وأولوية في تأمين مقومات الإنتاج وغطاء دعم يغطي مزارعي القمح

الجانب المهم في الموضوع هو الارتباط العضوي بين إنتاج القمح والثروة الحيوانية، باعتباره مصدراً مهماً لها، وانخفاضه يهددها بالانقراض، لأن مخلفات المحاصيل تدخل ضمن التركيبة العلفية، وهذه بدورها خرجت من دائرتها، وهناك صعوبة في تأمين البدائل من قبل المربين، الأمر لا يتعلق بالقمح فحسب، بل إلى مواسم أخرى كالشعير والعدس والجلبانة وغيرها من مصادر الثروة العلفية، التي تأثرت بهذا التراجع الكبير في إنتاجية المحاصيل، وتأثر المربي الذي يؤمن المادة العلفية من الإنتاج المحلي الذي شهدت أسعاره ارتفاعات جنونية ساهمت في تراجع التربية الحيوانية وإلى مستويات كبيرة..!

مقومات جديدة

وأضاف الهلال: إن عمليات الحصاد اليوم ستكون فقط في المساحات المروية، وتحديداً في مشاريع الري الحكومية “دير الزور والرقة – وحلب “، الأمر الذي يدفعنا للوقوف عند هذه النتائج، والبحث في الأسباب والتي وصلت بالمحصول بهذه النتائج، ودراستها والتخطيط لعام جديد يحمل مقومات إنتاجية جديدة، تمر بمرحلة تأمين الاكتفاء الذاتي والعودة ثانية إلى التصدير، وذلك من خلال الاهتمام بمشروعات الري واستثمارها بالشكل الصحيح، لاسيما المشروعات التي تروى من الآبار الارتوازية ومن الأنهار والبحيرات، وهذه المساحات تتجاوز 650 ألف هكتار، يمكن استثمارها في تأمين مادة البذار وخاصة أنه لدينا نوعيات من البذار هي الأفضل عالمياً، من “القاسي والطري” ويعتمد عليها الفلاح في زراعة القمح، والاهتمام في تأمينها من هذا المشاريع تأتي في المقدمة، لأن إمكانية تأمين القمح لزوم رغيف الخبز من الأسواق الخارجية، لكن الأنواع المطلوبة للبذار المتوافرة لدينا، هي أفضل الأنواع العالمية ولاسيما الطري، لذلك الدولة تولي هذا الجانب الاهتمام الكبير في تأمين البذار محلياً، وذلك عن طريق المؤسسة العامة لإكثار البذار بموجب عقود مع المزارعين .

سقف التحدي

هذا التراجع في إنتاجية القمح، والواقع الذي وصلت إليه، تارة بفعل اليد البشرية، وتارة أخرى بفعل عوامل المناخ، وحالة الجفاف التي ضربت البلاد، تجعلنا نقف أمام تحدٍ جديد، وبدوره يفرض سؤالاً بحجم هذا التحدي، والذي يكمن: هل تستطيع سوريا العودة مجدداً إلى إنتاجيتها السابقة، التي تتجاوز سقف الأربعة ملايين طناً..؟!
الخبير “الهلال” يرى سهولة العودة إلى سابق عهدها، لكن هذا الأمر مرهون بشروط، في مقدمتها الاهتمام الحكومي وإعطاء الأولوية لقطاع القمح، في تأمين مقومات الإنتاج ومستلزماته الأساسية من محروقات كهرباء وأسمدة ومبيدات وأدوية وغيرها، وتقديمها على شكل ديون أو قروض لتأمين زراعة كل المساحات المروية والبعلية، في مناطق الاستقرار الأولى والثانية والثالثة، عن طريق المصرف الزراعي، على جانب تأمين الطاقة البديلة للمزارعين ولاسيما في مناطق الرقة ودير الزور ودرعا وحلب والغاب، ما يخفف من تكاليف الإنتاج، لكن هذه مكلفة جداً، والواجب على الحكومة التدخل والمساعدة في تأمينها للمزارعين، وخاصة أنها مكلفة قيمتها الإجمالية للمجموعة الواحدة تفوق 20 ألف دولار، الأمر الذي دفع الكثير من المزارعين لبيع الممتلكات الخاصة لتأمين قيمة المجموعة البديلة للطاقة، وهنا ضرورة تدخل الدولة للمساهمة بصورة مشجعة وداعمة للمزارعين من أجل عودة كامل المساحة القابلة للزراعة، والوصول إلى الأرقام الإنتاجية في سنوات الوفرة .

الري الحديث

والذي يعزز هذا التوجه في رأي “الهلال” عودة الشركات التي تنتج مستلزمات الري الحديث، ودعم المشاريع المرتبطة والتي تؤمن هذه المستلزمات للمزارعين بأسعار معقولة، أو بموجب قروض يتم تأمينها للمزارعين، وخاصة أنه هناك تجارب سابقة حققت نجاحات معقولة، يمكن زيادتها واستثمارها مجدداً، والتوسع في انتشار الشركات، التي تؤمن كل مستلزمات الري الحديث، وبدعم حكومي مستمر، وبالتالي بتوفير هذه الأسباب جميعها إلى جانب تحسن المناخ، والظروف الجوية، التي تسمح باستقرار الدورة الزراعية على كامل مساحة الوطن، عندها يمكن القول إن الحالة الانفتاحية تسمح بالعودة إلى الأسواق العالمية، وبكميات معقولة، وخاصة أن القمح السوري من الأقماح المطلوبة عالمياً.

اقرأ ايضاً:

ملف «الحرية».. صعوبات النقل والتخزين لن تعرقل استلام الموسم.. توريد الأقماح مستمر والطاقة الاستيعابية “فضفاضة”

 

Leave a Comment
آخر الأخبار