شجرة الذهب البني.. مليون شجرة كستناء في سوريا

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية ــ بشرى سمير:

ترتبط ثمرة الكستناء ارتباطاً وثيقاً بشتاء السهرات العائلية، وتُعد عنصراً أساسياً في الطقس الاجتماعي الشتوي الدافئ. وفي هذه الأيام تنتشر البسطات في شوارع المدن، كدمشق، حيث يشوي الباعة الكستناء على مواقد الغاز أو الحطب لتلبية طلبات المارة والساهرين. ورغم عشق السوريين للكستناء، إلا أن زراعتها تواجه تحديات وصعوبات كبيرة.

تاريخ الزراعة في سوريا

يقول المهندس الزراعي منصور حداد إن زراعة الكستناء دخلت إلى سوريا منذ مئات السنين من تركيا، وإن الموطن المحلي الرئيسي لها هو منطقة ضهر القصير في حمص، حيث توجد غابة خاصة بها في الساحل السوري وغربي حمص، وتعود زراعتها إلى فترة السبعينيات والثمانينيات.
ولفت حداد إلى أنه رغم وجود مساحات زراعية محلية تنتج ما بين 40 – 50 طناً سنوياً، فإن جزءاً كبيراً من الكستناء في الأسواق يُستورد من دول مثل تركيا والصين وإيران، حيث يصل سعر الكيلوغرام من الكستناء التركية إلى 60 ألف ليرة، بينما الصينية 25 ألف ليرة.
وأوضح أن شجرة الكستناء تحتاج إلى تربة بازلتية بركانية، ما يحد من انتشار زراعتها في جميع المناطق السورية.
كما أشار إلى فوائدها الصحية، فهي مصدر غني بالكربوهيدرات (66%)، والألياف، وفيتامين «ج»، والبوتاسيوم، وتساعد هذه المكونات في تنظيم سكر الدم، وتعزيز المناعة، وتحسين الهضم، وتعديل ضغط الدم.

خبير زراعي: زراعة الكستناء بحاجة إلى خطة متكاملة للنهوض بها

مشروع ضهر القصير

من جانبه، أكد المهندس الزراعي مروان عارف أن مشروع الكستناء في ضهر القصير، وهو «المكان الأفضل»، تُرك في عهد النظام البائد ينمو عشوائياً من دون أي اهتمام أو رعاية من وزارة الزراعة، حيث لم تُقلم أشجار الكستناء لتثمر، ولم يُختَر الصنف المحسن من الغراس، ولم تُرش الغابة بالمبيدات الحشرية ولو مرة واحدة.

مليون شجرة كستناء

وأشار عارف إلى أن وزارة الزراعة في عهد النظام البائد لو اتبعت الأسس العلمية في زراعة أكبر غابة كستناء في المنطقة العربية، لكانت قادرة على تصدير آلاف الأطنان سنوياً من «فاكهة الشتاء» كما هي الحال في تركيا.
وبيّن أن الإنتاج السنوي من غابة تمتد على مساحة تتجاوز 525 هكتاراً، تضم حوالي مليون شجرة كستناء، يبلغ نحو طن واحد فقط، في حين يمكن أن يتضاعف عدد الأشجار ذاتياً (تكاثر ذاتي) ليصل الإنتاج إلى ثلاثة أطنان.

تحديات قائمة

وأضاف عارف إن زراعة الكستناء في سوريا تتميز بإمكانيات واعدة خاصة في المناطق الجبلية والرطبة مثل صلنفة، الغاب، واللاذقية، لكنها تواجه تحديات تتطلب معالجة منهجية، منها:

  • قلة الأصناف المحسنة الملائمة للبيئة السورية.
  • نقص الخبرات الفنية المتخصصة.
  • محدودية البنية التحتية لتجهيز وتخزين المنتج.
  • تأثير التغيرات المناخية على الإنتاج.
  • صعوبات التسويق.

خطة للنهوض بالقطاع

واقترح عارف للنهوض بزراعة الكستناء تحسين الأصول الوراثية والبذور، واستيراد أصناف عالية الإنتاجية متأقلمة مع المناخ السوري، مع ضرورة إنشاء مشاتل متخصصة لإنتاج شتلات سليمة، إضافة إلى إكثار الأصناف المحلية ذات المواصفات الجيدة.
كما شدد على أهمية تأسيس مركز أبحاث متخصص في زراعة الكستناء، وتنظيم دورات تدريبية للمزارعين على التقنيات الحديثة، ونشر الوعي حول مكافحة الآفات (مثل حفار الساق)، والتقليم والتسميد المناسب، ومكافحة الأمراض الفطرية.
واقترح أيضاً إنشاء تعاونيات زراعية للمساعدة في التصنيع والتسويق، وتقديم دعم مادي للمزارعين عبر قروض ميسرة، ودعم أسعار الشتلات والأدوات الزراعية، وتطوير علامة تجارية للكستناء السوري، واستكشاف أسواق تصديرية جديدة، وتشجيع الصناعات التحويلية (مثل دقيق الكستناء والمنتجات الغذائية). كما دعا إلى إجراء مسح شامل للمناطق القابلة لزراعة الكستناء والتركيز على إنشاء مشروع تجريبي في منطقة صلنفة أو الغاب.

خطة وطنية متكاملة

وختم عارف بالقول إن النهوض بزراعة الكستناء في سوريا يتطلب خطة وطنية متكاملة تشمل جميع جوانب السلسلة الإنتاجية، مع التركيز على نقل التقانات الحديثة ودعم المزارعين، بما يساهم في تحقيق الأمن الغذائي وتنمية المناطق الريفية.

شجرة معمرة ورفيقة الشتاء

ومن المعروف أن شجرة الكستناء هي شجرة حراجية معمرة قد يعمر بعضها ألف عام، ويصل ارتفاعها إلى 40 متراً، وكانت تُزرع للزينة منذ القدم.
وتسهم الكستناء في تعزيز الروابط الاجتماعية عندما يتم تحميصها عائلياً على سطح المدفأة «الصوبيا»، ما يجعلها نشاطاً مسلياً يمضي الوقت في الليالي الطويلة، فهي تلخص روح الشتاء السوري بجمعها بين الدفء العائلي والتسلية، وارتباطها بتاريخ الزراعة المحلي وقيمتها الغذائية، لتكون رفيقة للذكريات والسمر في الليالي الباردة، وغالباً ما يرافق هذا النشاط لعب ألعاب الورق التقليدية مثل الطرنيب والباصرة، كما تُقدَّم الكستناء كمكسرات مشوية، أو تدخل في تزيين وتصنيع الكاتو المنزلي، أو تُستخدم لتحضير شوربة الكستناء.

Leave a Comment
آخر الأخبار