ناظم عيد – رئيس التحرير:
لا وقت لمزيد من الاسترخاء أمام السوريين – كل السوريين – بما أن لائحة الاستحقاقات كبيرة وكبيرة جداً، تقوم على مهمتي الاستدراك ومن ثم البناء، وربما علينا التسليم بأن الأولى تسبق الثانية بإلحاحها، لأن جَسر الفجوات إجراء لازم وحتمي قبل الانطلاق نحو مستقبل هذه البلاد، بما أن الطريق بات سالكاً.. بلا عقوبات ولاذرائع.
وإن كنا جميعاً ندرك أن المهمة ليست بالسهلة بتاتاً، فإن معظمنا مقتنع بأن الأصعب فيها ليس العمل بحد ذاته ولا التمويل ولا التكنولوجيا والتقانة الذكية، بل تغيير الذهنيات التي ستعمل والتي تقود مفاصل العمل كلها.. فهذه الحيثيّة مثار هواجس في هذا البلد لكل من جرّب وتابع التفاصيل، وهذه الأخيرة مكمن الشياطين في تقاليد العمل العام كما علّمتنا التجربة، وسنكون مكابرين إن لم نعترف بها صراحة.. والأهم أن نبحث في كيفية وأدوات التغيير، ونتحدث هنا عن ذهنيات وتقاليد وأدبيات مجتمعيّة بنسق كامل متكامل، أي منظومات لا مجرد أشخاص ولا مستويات تحصيل معرفي.
وفيما يخص الذهنيّات.. يبدو علينا أن نعترف بما يعترينا من قلق إزاء ذلك الزخم الكلامي المفرط، الملتبس والمتناقض، الذي يمارسه بعض شاغلي المفاصل التنفيذية في مستويات مختلفة، من سرديّات متسرّعة حول برامج أو نيّات تخصّ إدارة أو إصلاح قطاعات أساسية ومؤثرة في عمق الاقتصاد وامتداداته الواصلة إلى كل أسرة وكل فرد سوري.
بالفعل مُقلق أن تكون صفحات الفيسبوك و”أخواته” منبراً لتداول البرامج التنفيذية، وإثارة زوابع تنازع آراء بشأنها، فيما مكانها الأنسب غرف ومكاتب الدراسات وبلورة الخطط، لأنه لا مجال للّهو لدى قوم يستعدون للتعاطي مع شأن مصيري وتغيير واستحقاقات صعبة بكل معنى الكلمة.. فخيارات البناء لا تحتاج إلى تصويت واستفتاء شعبي، بل لقرارات مسؤولة أمام الجميع لجهة نتائجها على الأرض.
وإن كان ولا بدّ من توسيع دائرة التشاور والإحاطة في مرحلة ما قبل القرار، فوسائل التواصل بضجيجها المُفتعل، ليست الوسيلة الأنسب لاستقطاب الرؤى، بل يجب أن يُصار إلى توسيع مروحة المجالس الاستشاريّة فعلياً، وانتقاء فُرق صناعة القرار بعناية، ونظن أن سوريا لم تبخل على مؤسساتها بأصحاب الخبرة والمهارات المعرفيّة إن على المستوى الأكاديمي، أو المتقاعدين من المضمار التنفيذي، وبالمناسبة لدى الكثير من هؤلاء خبرة عمليّة مشفوعة بتحرّر كامل من القوالب في الدفع بآرائهم، بما أنهم لم يعودوا خاضعين لإملاءات ومحسوبيّات ولا مصالح من شأنها أن تحرف بوصلة الرأي السديد، والأهم أنهم يعلمون جيداً مكامن الخلل وتاريخ سيرورة القرار الخاطئ المطلوب تغييره، ونجزم بأن معظمهم إن تم اختيارهم بقليل من التدقيق يمكن أن يكونوا أصحاب ذهنية إصلاح حقيقيّة، عندما تُشرع أمامهم أبواب الخط الراجع من رحلة افتعال الخلل للإدلاء بشهاداتهم التي هي خبرة مدفوعة الثمن.
العمل التنفيذي ليس حالة شعبويّة في أسسه وبرامجه ومقدّماته، فالمهم أن تفضي هذه البرامج والمقدّمات إلى مخرجات تُرضي المواطن الذي يتلقّى ويلتقط النتائج بكل حواسه وليس مستعداً لسماع مبررات ودفوعات تأخذ منحىً ذاتياً أحياناً.
باختصار وسائل التواصل الاجتماعي ليست لصناعة القرارات الاستراتيجيّة ولا لإدارة المؤسسات ولا للتراسل بين المكاتب الرسميّة.. وإن كان ثمة بوح ما.. فليكن في حدود ماهو شخصيّ لا مؤسساتيّ