من اجتماع جدة إلى قمتي باريس.. سوريا محور دعم وتعاون عربي- إقليمي.. الرئيس الشرع: نواجه تحديات أمنية كبيرة والدعم العربي والدولي لم يعد خياراً بل ضرورة

مدة القراءة 9 دقيقة/دقائق

الحرية – مها سلطان:

بين جدة وباريس، حضر -بالتوالي- ملف الحدود السورية- اللبنانية. قمتان في باريس اليوم، ثلاثية وخماسية، عبر الفيديو. الأولى جمعت الرئيس أحمد الشرع مع الرئيس اللبناني جوزيف عون (الذي يزور فرنسا حالياً) ومع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. والثانية جمعت إلى الأولى كل من الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس، ورئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس، وكانت بالغة الأهمية والدلالة.

قمة خماسية للتعاون الإقليمي المتوسطي.. سوريا عنوان رئيسي والرئيس الشرع مشاركاً عبر الفيديو: الدعم العربي والدولي لم يعد خياراً بل ضرورة

وفي جدة اجتماع أمني رسمي برعاية سعودية ضم وزير الدفاع اللواء المهندس مرهف أبو قصرة، ونظيره اللبناني اللواء ميشال منسى، والوفدين المرافقين لهما، بحضور وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان بن عبد العزيز، وذلك يوم أمس الخميس.
وفيما لا يزال المراقبون يقفون عند مسألة انعقاد الاجتماع الأمني السوري- اللبناني في جدة، وليس في دمشق، حيث كان من المقرر أن يصلها الوفد اللبناني الأربعاء الماضي، ولكن لأسباب غير معروفة بعد تم تأجيل زيارة الوفد اللبناني (من الجانب السوري حسب المُعلن).. توالت الإعلانات حول اجتماع افتراضي سوري- لبناني- فرنسي، على المستوى الرئاسي، لبحث المسائل نفسها التي بحثها اجتماع جدة، وهذا ما توقف عنده المراقبون أيضاً لناحية ما إذا كان اجتماع جدة تمهيداً لاجتماع باريس أو أنه قاد إليه، وفق النتائج التي ستخرج عنه، ليكون اجتماع باريس أوسع وأشمل وأكثر دفعاً باتجاه حل جذري للمسألة الحدودية بين سوريا ولبنان فلا تتكرر الاشتباكات العنيفة التي انفجرت منتصف آذار الجاري واستمرت لأيام قبل أن يتم توقيع اتفاق بين الجيشين السوري واللبناني في 19 من الشهر نفسه، لكن هذا الاتفاق لم يكن كافياً بطبيعة الحال، أي إنه ليس حلاً، ولا يمنع تجدد الاشتباكات طالما أن كل موجباتها ومسبباتها قائمة.

– اجتماع جدة والدور السعودي
وفق المعلن فإن اجتماع جدة لـ«تنسيق وتعزيز القضايا الأمنية والعسكرية وترسيم الحدود» خرج باتفاق تضمن ثلاث نقاط رئيسية:
– تشكيل لجان قانونية ومتخصصة بين سوريا ولبنان في عدد من المجالات.
‏- تفعيل آليات التنسيق بين الجانبين للتعامل مع التحديات الأمنية والعسكرية.
‏- الاتفاق على عقد اجتماع متابعة في السعودية خلال الفترة القادمة.

 يتوقف المراقبون عند اجتماع جدة وما إذا كان يتكامل مع قمتي باريس عملاً وتنسيقاً باتجاه حل جذري للمسألة الحدودية بين سوريا ولبنان

لا شك أن الرعاية السعودية لهذا الاتفاق تعطيه زخماً ودفعاً باتجاه نزع «فتيل الحدود» وربما خلف الكواليس كان هناك بحث وتوافق على ما هو أبعد من تلك النقاط الثلاث، بمعنى اتخاذ قرارات وإجراءات على الأرض لتكون هذه النقاط فاعلة وإلا فستبقى حبراً على ورق في ظل أن ملف الحدود السورية- اللبنانية يعد من أعقد الملفات، ليس بين سوريا ولبنان فقط بل على مستوى المنطقة، واستمراره ينعكس بالضرورة عليها.

ماكرون وماهية حديثه عن «وسائل» وضعها تحت تصرف الشرع وعون لمنع تهريب السلاح فهل نحن أمام إجراءات حدودية بعضها قد يكون غير متوقع

وفي المتداول حول هذا الملف هناك من يقترح منطقة عازلة، وهناك اقتراح بنشر قوة محترفة تتولى ضبط الاختراقات الأمنية على جانبي الحدود، ويُنسب هذا الاقتراح لفرنسا.. لكن السؤال الأساس هنا يتعلق بمسألة ترسيم الحدود، ولماذا هي في غاية التعقيد؟

– القمة الثلاثية
في اليوم التالي لاجتماع جدة، انعقد قمة ثلاثية افتراضية في باريس، وبانتظار خروج بيانات أوسع حول المجريات والنتائج، فإن ما جاء على لسان ماكرون لافت لناحية قوله:«وضعت تحت تصرف الرئيسين السوري واللبناني وسائل منع تهريب السلاح» وفق ما نقلت وكالة سبوتنيك الروسية.
مبدئياً.. ما قاله ماكرون يأخذنا إلى ما يُقال عن المبادرة الفرنسية، آنفة الذكر، فهو لم يوضح ما هي تلك «الوسائل».. وربما كان هناك تنسيق سعودي- فرنسي، وقد تشهد المرحلة المقبلة إجراءات حدودية، بعضها قد يكون غير متوقع.
توسعت القمة الثلاثية إلى ما هو أبعد من الحدود السورية- اللبنانية، فحسب قصر الإليزيه، تحولت هذه القمة إلى خماسية بانضمام قبرص واليونان، لمناقشة «التحديات المرتبطة بالأمن البحري والتأثير البيئي الإقليمي على الأمن» إلى جانب بحث ملف اللاجئين السوريين.

– ترسيم الحدود
قبل الانتقال إلى القمة الخماسية ومجرياتها، لنعد إلى ذلك السؤال حول ترسيم الحدود ولماذا هي مسألة في غاية التأزيم والتعقيد؟
– تمتد الحدود السورية- اللبنانية على مسافة 375 كم، وتعد من أكثر المناطق الحدودية تعقيداً، فتلك الحدود، التي لم تُرسّم بشكل دقيق ونهائي منذ استقلال البلدين في أربعينيات القرن الماضي.
– تعود جذور الأزمة إلى فترة الانتداب الفرنسي (1920-1946)، فخلال تلك الفترة، قامت فرنسا بتقسيم المنطقة إلى كيانات إدارية، حيث أُنشئ «لبنان الكبير» عام 1920 بضم أراضٍ من سوريا التاريخية، مثل البقاع وطرابلس، إلى متصرفية جبل لبنان. كانت هذه الكيانات تُدار بناءً على قرارات إدارية مؤقتة. وبعد الاستقلال، حاول البلدان تشكيل لجان مشتركة لترسيم الحدود، لكن هذه الجهود باءت بالفشل بسبب الخلافات السياسية والتدخلات الخارجية.

توسعت القمة الثلاثية إلى خماسية مع اليونان وقبرص، حيث المخاطر والتحديات والمصالح مشتركة وتفرض تعزيز التعاون كضرورة باتت ملحة

– إحدى أبرز المشاكل في ترسيم الحدود هي التداخل الجغرافي والديموغرافي، فهناك قرى وبلدات تقع على الحدود، بعضها يتبع لبنان إدارياً لكن سكانها يحملون الجنسية السورية، والعكس صحيح، مثل منطقة القصر- الهرمل في البقاع اللبناني، حيث يعيش سكان يحملون الجنسية السورية ويتنقلون يومياً بين البلدين دون وجود نقاط تفتيش واضحة، وبالتالي فإن ذلك التداخل يجعل ترسيم الحدود مسألة حساسة، لأن أي تغيير قد يؤثر في حياة السكان.. وهناك مناطق زراعية متنازع عليها، مثل مزارع شبعا، التي تُعتبر نقطة حساسة بسبب موقعها الاستراتيجي على الحدود مع هضبة الجولان.
– لا بد من الإشارة هنا إلى النقطة الأساس والمتعلقة بحكم الأسد، الأب والابن، حيث كان يتحكم بالكثير من المفاصل في لبنان، تبعاً لنفوذ واسع، عسكري/سياسي/اقتصادي جعله غير مَعني بترسيم الحدود بشكل رسمي.
– لا شك في أن سنوات الحرب الـ14 الماضية لعبت دورها في هذه المسألة (إلى جانب الأزمات السياسية والاقتصادية المتلاحقة في لبنان منها الفراغ الرئاسي) وبما أبعد مسألة الحدود عن المشهد. وكانت المرة الأخيرة التي طرحت فيها في عام 2008 في عهد الرئيس اللبناني ميشال سليمان الذي زار دمشق حينها وتم الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة لترسيم الحدود، وقد حددت هذه اللجنة نحو 70% من الحدود، لكن عملها توقف مع اندلاع الحرب في سوريا مطلع عام 2011.
– لم تثر هذه المسألة مجدداً إلا في عام 2023، عندما اقترح الجانب اللبناني استئناف عمل اللجنة، لكن ذلك لم يتحقق بسبب تعاكس الأهداف ما بين النظام السوري السابق والجانب اللبناني، حيث وجد هذا النظام أن ترسيم الحدود يتنافى مع مصالحه.
– أما الحدود البحرية، من الجهة الشمالية اللبنانية، فهي بدورها ملف ضاغط جداً خصوصاً بعد التقارير التي تتحدث عن الثروة الغازية الهائلة على سواحل البحر المتوسط قبالة سوريا ولبنان، وهو ملف يمتد إلى قبرص (ومعها اليونان وتركيا) ويتسبب بأزمات بين هذه الدول الثلاث، وبشكل يمنع الاستثمار وتالياً الإفادة من هذه الثروة الغازية.. ولا ننسى هنا “إسرائيل” وأطماعها، حيث تسعى للهيمنة على هذه الثروة وحرمان سوريا ولبنان (والفلسطينيين) منها.

– القمة الخماسية
من هذه النقطة الأخيرة، تأتي أهمية القمة الخماسية. وكانت الرئاسة السورية وصفتها بأنها «خطوة غير مسبوقة على الصعيد السياسي»، حيث شهدت مناقشات مهمة حول مجموعة من القضايا الإقليمية والدولية التي تمس الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وتناولت العديد من المواضيع الحساسة التي تؤثر على العلاقات بين الدول الخمس، ومن أبرزها:
أمن الحدود والمخاطر المشتركة (خصوصاً من الميليشيات المسلحة والنزاعات الحدودية) ورفع العقوبات عن سوريا، وتعزيز التعاون الإقليمي، ودعم الإدارة السورية في الإصلاحات ومكافحة الإرهاب.
وقد أكد الرئيس الشرع على أن سوريا تواجه تحديات أمنية كبيرة على حدودها الجنوبية، مشيراً إلى الانتهاكات الإسرائيلية التي تمثل تهديداً مستمراً للسلام والأمن الإقليمي.
ودعا الرئيس الشرع إلى رفع العقوبات، مشيراً إلى آثارها المدمرة على الاقتصاد السوري.
وفيما يتعلق بالانتهاكات الإسرائيلية، شدد الرئيس الشرع على الموقف السوري الثابت في رفضها هذه الاعتداءات، مؤكداً أن سوريا ستواصل الدفاع عن حقوقها الثابتة، وأن الدعم العربي والدولي لم يعد خياراً بل ضرورة.
وفي ختام القمة، تم التوافق على تأسيس علاقة جدية ومستقرة في سوريا الجديدة وحشد الدعم الدولي لها ولجهود إعادة الإعمار وفي مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.

Leave a Comment
آخر الأخبار