الحرية- باسمة اسماعيل:
في ظل أزمة اقتصادية خانقة وواقع معيشي صعب، تفاقمت البطالة في سوريا، مع تراجع النشاط الاقتصادي، ورغم العوائق الكبيرة يسعى عدد من الشباب السوريين لصناعة الفرص بأنفسهم من خلال العمل الحر عبر الإنترنت، وإطلاق مشروعات ريادية صغيرة.
فهل يمكن للمرونة الرقمية وريادة الأعمال، أن تكون بوابة الحل لمعضلة البطالة؟ وهل يدعم الواقع التنموي ذلك؟
واقع البطالة في سوريا
حسب بيانات منظمة العمل الدولية ومراكز بحث محلية، بلغ معدل البطالة في سوريا نحو 13% في عام 2024، مع نسبة بطالة مرتفعة بين الشباب تتجاوز 30%، وأكثر من نصف خريجي الجامعات لا يجدون فرص عمل ضمن تخصصاتهم.
تجارب شبابية
رغم هذا الواقع، ظهرت قصص ملهمة لشباب سوريين رفضوا الاستسلام، فاستثمروا في مهاراتهم التقنية أو الإبداعية، وبدؤوا مشروعات من منازلهم، معتمدين على الإنترنت كمنفذ للعمل.
رامي (29 عاماً)، خريج هندسة معلوماتية من اللاذقية، يقول: بعد عامين من انتظار الوظيفة، بدأت بتعلم تصميم المواقع عبر دورات مجانية، واليوم أقدّم خدمات على منصات إلكترونية، وأكسب دخلاً ثابتاً بالدولار.
ريم (24 عاماً)، تروي قصتها قائلة: استخدمت موهبتي في التطريز اليدوي وأنشأت صفحة عبر إنستغرام، واليوم أبيع منتجاتي داخل سوريا وخارجها، بدأتها من غرفة صغيرة، لكن الطموح بلا حدود.
نافذة جديدة
وأشار رامي إلى أنه مع ازدهار المنصات الرقمية مثل “Upwork، Freelancer، مستقل، خمسات”، بات بإمكان الشباب السوري، بعد فتح العديد من المواقع الذي أزيل حظرها بعد رفع الحصار عن سوريا، تقديم خدماتهم عالمياً، مبيناً من خلال تجربته أن أبرز المجالات المتاحة للعمل عن بعد، البرمجة وتطوير المواقع، التصميم الجرافيكي، الترجمة وصناعة المحتوى، التسويق الرقمي، المساعدة الافتراضية.
ولفتت إلى أنه لا تزال هناك تحديات تعيق العمل تشمل: ضعف الإنترنت والكهرباء، صعوبات الدفع الإلكتروني وتحويل الأموال، نقص التوجيه التقني والتدريب المهني.
ريادة الأعمال
وفي السياق نفسه نرى العديد من الشباب لجؤوا إلى مشروعات منزلية صغيرة منها، مطابخ منزلية، ورشات خياطة، إعادة تدوير، خدمات تصوير ومونتاج، وغيرها، بعض الجمعيات والمنظمات غير الحكومية، قدمت تدريبات وتمويلات صغيرة لدعم تلك المبادرات، رغم الموارد المحدودة، ما نراه من إصرار وإبداع لدى الشباب مدهش، التحدي الحقيقي هو توفير بيئة آمنة ومنظمة لاحتضان هذه الطاقات.
مواجهة البطالة
يرى المختصون في التنمية البشرية، أن مواجهة البطالة لا تقتصر على توفير وظائف حكومية أو توفير تمويلات، بل تتطلب بناء إنسان منتج قادر على التكيف.
المدرب إبراهيم محرز خبير تنمية بشرية، أوضح أن التنمية البشرية تبدأ من الذات، الشاب الذي يطور مهاراته، يتعلم، يجرب، يخطئ ويعاود النهوض، هو حجر الأساس لبناء مجتمع اقتصادي مرن، مضيفاً: إن الريادة والعمل عن بعد، فرص حقيقية إذا توفرت بيئة تدريب وتوجيه.
وأشار محرز في تصريحه لـ”الحرية” إلى أنه يجب على الجهات المعنية لمساعدة الشباب في مشروعاتهم الصغيرة، توسيع برامج التدريب المهني والرقمي المرتبطة بسوق العمل العالمي، تحسين البنية التحتية للاتصالات والكهرباء لدعم العمل عن بعد، تعزيز ثقافة ريادة الأعمال في المدارس والجامعات، إطلاق منصات سورية آمنة للدفع الإلكتروني والتسويق المحلي، تفعيل الشراكات بين الجهات المحلية والمنظمات الدولية لدعم المشروعات الناشئة.
ولفت إلى أن البطالة في سوريا تحد كبير لكن تجارب الشباب تؤكد أن الأمل موجود وأن الطريق إلى التعافي يبدأ من تمكين الإنسان السوري وتعزيز ثقته بقدراته، العمل عن بعد وريادة الأعمال لم تعودا خياراً ثانوياّ، بل نافذتان لحياة جديدة، يتطلب فتحهما دعماً رسمياً ومجتمعياً جاداً.