من الكلمة الطيبة تبدأ الحكاية… الإعلام السوري شريك في صناعة السلم الأهلي

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية – نهلة أبو تك:

في ظلّ مجتمع أنهكته الحرب وأثقلته الانقسامات، يبرز السلم الأهلي اليوم كأولوية وطنية لا تحتمل التأجيل، لا يكفي القانون وحده لصون الأمن، بل لا بدّ من شراكة واعية بين المواطن والدولة، بين الإعلام والمجتمع، بين الكلمة والفعل، فالكلمة الطيبة، حين تُقال في وقتها، قد تسبق الرصاصة وتمنع نزفًا جديدًا.
ومن ريف اللاذقية إلى الساحل السوري، تخرج حكايات مصالحة تُروى لا بالكلمات فقط، بل بالأفعال، بالتضامن الشعبي، وبحضور الدولة القويّ في لحظة احتواء، وبالإعلام الذي لم يعد مجرد ناقل، بل فاعل في المشهد، يوثّق، ويشارك، ويؤسس لذاكرة جديدة عنوانها: نحن أبناء وطن واحد.

بين قرية الصنوبر وشريفة… جسور تصالح تُبنى

في قرية الصنوبر التابعة لمدينة جبلة، التي شهدت توترات اجتماعية مؤخرًا، تشكّلت خلية مبادرات أهلية جمعت وجهاء القرية وفعالياتها الدينية والاجتماعية، بحضور رسمي ورعاية حكومية، أُطلقت خلالها جلسات حوار علنية، شارك فيها الأهالي، وبينهم أمهات فقدن أبناءهن، ليعيدوا ترميم ما تصدّع من الثقة، ويؤكدوا أن التسامح ليس ضعفًا، بل شجاعة تتكئ على القانون.
تقول إحدى المشاركات في الجلسات: كنا نعيش تحت وطأة الحذر والخوف.. لكن حين جلسنا وفتحنا القلوب، أدركنا أن أغلب الخلافات تُبنى على سوء فهم، وإن الغفران أقرب مما نعتقد.
وفي قرية شريفة بريف اللاذقية، لم يطُل الحزن بعد حادثة مؤلمة، إذ تداعت القرى المجاورة، وتكفّل الأهالي بجمع التبرعات وترميم المنازل المتضررة، شباب من القرى حملوا الأدوات وكأنهم يعيدون بناء بيوتهم، لا بيوت غرباء.
يقول أحد المتطوعين: لم نسأل من أي عائلة هو… ما يهمنا أن نعيد الطمأنينة إلى بيوت الناس، وأن نثبت أن أهل الساحل جسد واحد.

الإعلام… شريك لا مراقب

بعيدًا عن التغطية الروتينية، أصبح الإعلام في هذه النماذج شريكًا فعليًا في نشر ثقافة التفاهم ونبذ العنف، فكل تقرير عن جلسة مصالحة، وكل صورة لأب يعانق من كان خصمه، تفتح بابًا لأمل جديد.
تقول الإعلامية سهى درويش: حين ننقل لحظة إنسانية صادقة، نبني ذاكرة جماعية جديدة… الناس بحاجة لرؤية أمثلة حيّة على أن الخير ممكن.
أما الإعلامي عمر شريقي، فأكد لصحيفتنا الحرية أن الإعلام اليوم أمام مسؤولية مضاعفة، وأضاف:”ما نحتاجه ليس فقط تغطية الأحداث، بل المساهمة في توجيه الرأي العام نحو ثقافة التسامح، الإعلام يجب أن يكون شريكًا في التهدئة، لا ناقلًا للتوتر، كل كلمة محسوبة، وكل صورة يمكن أن تبني أو تهدم.

دور الدولة احتواء الجرح وتعزيز الثقة

لم تكتفِ الدولة بالمراقبة، بل كانت حاضرة في الميدان، عبر مؤسساتها الخدمية والاجتماعية، لاحتواء التوتر ومعالجة تداعياته. في الصنوبر وشريفة، ساهمت الجهات المعنية في تقديم المساعدات العاجلة، والرعاية النفسية والاجتماعية، وتهيئة بيئة آمنة للحوار.
هذا الدور ليس استجابة ظرفية، بل تأكيد على أن الدولة ضامنة للسلم الأهلي، والمواطن شريك فاعل فيه، فكل مبادرة حوار، وكل موقف تسامح، وكل خطوة نحو الآخر، هي امتداد لحضور الدولة وعمق المجتمع.

ختامًا… صوت العقل أقوى

في زمنٍ كثرت فيه الأصوات المتوترة، لا بدّ أن يكون صوت العقل هو الأعلى. فالسلم الأهلي لا يُصان بالقوة فقط، بل بالرحمة، وبالكلمة الصادقة، وبالإعلام الواعي، وبشراكة لا تنكسر بين الدولة والمجتمع.
من قرى اللاذقية إلى كل المدن السورية، ثمّة فرصة تُبنى، ليكون الغد أكثر أمنًا وعدالةً، وليبقى الوطن سقفًا يحمي الجميع، مهما اختلفوا، ما داموا اتفقوا على الحياة.

Leave a Comment
آخر الأخبار