الحرية ـ حسيبة صالح:
بعد سنوات من العقوبات التي كبّلت الاقتصاد السوري وأثرت بشكل مباشر على حياة المواطنين، جاء قرار إلغاء «قانون قيصر» ليشكّل منعطفاً مهماً في مسار البلاد السياسي والاقتصادي، وفي هذا السياق، وضع المحامي والمستشار السياسي من واشنطن، إسماعيل باقر، النقاط على الحروف حول أهمية إلغاء قانون قيصر وما يعنيه ذلك من تحولات سياسية واقتصادية وإنسانية.
وفي حديثه مع صحيفة «الحرية» عبر تطبيق واتساب يفتح باقر نافذة على مستقبل مختلف، حيث تتقاطع لغة القانون مع آمال الناس، وتلتقي السياسة بالدبلوماسية في مسار جديد يعيد لسوريا مكانتها الطبيعية في محيطها الإقليمي والدولي.

من منظور القانون الدولي
يؤكد باقر أن قانون قيصر، كونه تشريعاً صادراً عن الكونغرس الأمريكي وليس قراراً تنفيذياً رئاسياً، لا يمكن إلغاؤه إلا عبر تشريع جديد يمر بالمراحل الدستورية داخل الكونغرس، وهذا ما حدث بالفعل، إذ اجتاز مشروع الإلغاء التصويت في الكونغرس، ولم يتبق سوى الخطوات الإجرائية الأخيرة، وهي إحالته إلى مجلس الشيوخ ثم إلى رئيس الولايات المتحدة للتوقيع عليه ليصبح نافذاً ويبدأ التطبيق الكامل مع بداية العام المقبل.
ويشير باقر إلى أن القانون بات عملياً غير فعّال في المرحلة الحالية، حيث لم يعد مانعاً أمام سوريا لفتح قنوات اقتصادية واستقبال الاستثمارات، ورغم النقاشات التي طرحت فكرة إعادة تفعيل القانون عند الحاجة، فإن التصويت النهائي جاء لصالح الإلغاء الكامل دون شروط، وهنا يذكّر باقر بأن المتضرر الأكبر من القانون لم يكن النظام، بل الشعب السوري الذي عانى من القيود على حياته اليومية، ومع بدء الاستثمارات المحتملة، من المتوقع أن يلمس المواطن السوري فرقاً واضحاً خلال فترة قصيرة.
التحولات السياسية والدبلوماسية
ويرى باقر أن سوريا الجديدة تبني علاقاتها الخارجية على مفهوم الشراكة المتوازنة والمصالح المشتركة، بعيداً عن الاصطفافات التقليدية، فقد انتقلت السياسة السورية من منطق التأثير الأحادي إلى منطق المصالح المتقاطعة، حيث تُدرس كل علاقة من زاوية المنفعة الوطنية.
ويضيف أن سوريا نجحت خلال فترة قصيرة في استعادة ثقة المجتمع الدولي عبر رفع العقوبات، إعادة التمثيل الدبلوماسي، وفتح قنوات تعاون مع مختلف العواصم، زيارات القيادة السورية إلى الشرق الأوسط وأوروبا وأمريكا اللاتينية لعبت دوراً مباشراً في بناء هذه الثقة، وأقنعت دولاً كانت متحفظة على إعادة العلاقات بتغيير موقفها بعد اللقاء المباشر مع القيادة السورية، لتبدأ بالنظر إلى سوريا بشكل مختلف وأكثر انفتاحاً، ومع إلغاء قانون قيصر، يتوقع باقر مرحلة أوسع من التطبيع تشمل إعادة فتح السفارات واستعادة العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل.
القطاعات الاقتصادية المستفيدة
كما يعتبر باقر أن القطاع المصرفي سيكون أول المستفيدين من إلغاء القانون، إذ يشكل الأساس لأي حركة استثمارية، فغياب قيصر سيزيل المخاطر القانونية التي كانت تردع البنوك الدولية عن التعامل مع سوريا، ما يفتح الباب أمام التحويلات المالية والاستثمارات.
هذا الانفتاح سينعكس على قطاعات الصحة والتعليم والزراعة والبنية التحتية، بما يشمل الكهرباء والمياه والاتصالات، ومع توفر التمويل، يمكن لسوريا أن تنتقل تدريجياً من مرحلة ما بعد الحرب إلى مرحلة التنمية والاستقرار طويل الأمد، وهنا يذكّر باقر بقدرة الشعب السوري التاريخية على البناء والعمل، مؤكداً أن الفرصة المناسبة ستعيد إطلاق هذه الطاقة الكامنة.
القانون والإعلام المهني
يؤكد باقر أن سوريا المقبلة ستكون دولة تحترم فيها القوانين والدستور، وتصان فيها الحقوق والحريات، ويُعاد فيها بناء التشريعات بما يتناسب مع الواقع الجديد، مؤكداً أن المستقبل يتجه نحو برلمان سوري يقر قوانين حديثة تواكب الانفتاح على العالم وتضمن مساراً قانونياً سليماً.
وفي هذا السياق، يبرز دور الإعلام المهني كشريك أساسي في عملية البناء، ليس فقط في نقل الصورة الإيجابية، بل أيضاً في تسليط الضوء على التحديات ومجالات التطوير. كما يشير إلى أن السوريين في الخارج أبدوا اهتماماً واضحاً بالمساهمة في إعادة الإعمار، وأن ما شهدته واشنطن مؤخراً من تنسيق بين منظمات مختلفة لتشكيل ائتلاف لدعم التعافي يعكس جدية هذه المرحلة الجديدة.
فصل جديد
من حديث إسماعيل باقر يتضح أن إلغاء قانون قيصر ليس مجرد خطوة قانونية، بل هو بداية مسار سياسي واقتصادي وإنساني جديد، إنه إعلان عن عودة سوريا إلى الساحة الدولية كشريك موثوق، وعن فتح أبواب الأمل أمام شعب أنهكته العقوبات لكنه لم يفقد قدرته على النهوض.
بهذا المعنى، يصبح القانون الذي كان رمزاً للمعاناة نقطة انطلاق نحو مستقبل أكثر توازناً، حيث تتلاقى الإرادة السياسية مع طموحات الناس، ويكتب السوريون فصلاً جديداً في تاريخهم.