من تدمر إلى القمة.. فاطمة صالح تحصل على أعلى علامة في “البكالوريا” الألمانية

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية- حسيبة صالح :

في زمنٍ تُقاس فيه النجاحات بالأرقام، جاءت فاطمة محمد صالح لتكسر القاعدة، وتُضيف إلى الرقم روحًا، وإلى النتيجة قصةً تُحكى بفخر.

ابنة مدينة تدمر السورية، تقف اليوم على منصّة التفوق في ألمانيا بعد أن حصلت على أعلى علامة في امتحان البكالوريا، في بلد يُعرف بدقّة نظامه التعليمي وصرامته.

نجاحها ليس فقط رقميًا، بل إنسانيًا، عاطفيًا، وثقافيًا… وتوثيقًا حقيقيًا لروح المثابرة والانتماء.

إنه انتصار فتاة قررت أن ترى في الغربة حافزًا لا حاجزًا، وأن تجعل من التحديات درجات نحو الضوء، لا سلاسل تكبّل الطموح.

تقول فاطمة لـ”الحرية”: كنتُ أراجع كعادتي، بهدوء وتركيز، وعندما سمعت النتيجة… لم أصرخ. فقط بكيت. شعرتُ أن كل لحظة تعب وكل دمعة سهرت بها وجدت طريقها إلى المجد.. كان شعورًا لا يُوصف، امتنان لله، وفخرٌ ناعم يعبق القلب… لقد كان تتويجًا لرحلة طويلة لا يعرفها سوى من عاشها.

تردف فاطمة: لم يكن الطريق سهلًا. اللغة، الثقافة الجديدة، الشعور بالغربة… كلها تحديات. لكني قاومتها، وبفضل دعاء أبي وأمي، ودعم إخوتي، ومساعدة المعلمين، تحوّلت الصعوبات إلى سلّم صعود. أنا لم أكن أبحث عن علامة فحسب، بل عن إثبات لنفسي أنني أستطيع. الإيمان بالله، وتحفيز أهلي في أصعب اللحظات، جعلني أتخطى شكّي بنفسي وأعود لأؤمن من جديد.

مضيفة: كنت أضع جدولًا مرنًا، أراجع فيه يوميًا، أترك وقتًا للراحة، وأعتمد على الفهم لا على الحفظ.

كل مادة كانت مهمة، وكل نقطة تحدٍّ كنت أواجهها بالتدريب والمثابرة.. لم أفضّل مادة على أخرى، بل جعلتها جميعًا متساوية في القيمة والعناية.. وأبي قدوتي في العلم والثبات، وأمي شريكتي في المذاكرة والسهر، وإخوتي كانوا الفرح وسط التعب. كانوا عالمي الجميل في أقسى اللحظات.

وأجمل ما في هذه الرحلة أنني لم أُترك وحدي… كنت محاطة بحبٍ يحميني.

اليوم، والكلام لفاطمة، أستطيع أن أدرس ما أشاء، في أي جامعة ألمانية، لكنني ما زلت أتأمل بين الطب البشري وهندسة الطب الحيوي.

أريد أن أختار مجالًا أكون فيه ذات أثر، أن أخدم الإنسان، وأمثّل بلدي وأهلي بصورة مشرّفة.

النظام التعليمي هنا كان صعبًا في البداية، لكنه علّمني كيف أفكّر، كيف أعتمد على نفسي، وكيف لا أكتفي بالمعلومة، بل أبحث خلفها.

هذا الأمر غيّر طريقة تفكيري، وجعلني أكثر نضجًا وثقة.

وتختم فاطمة: رسالتي.. ثقوا بالله أولًا، ثم بأنفسكم، لا تنتظروا الظروف المثالية… بل ابنوا طريقًا من الواقع، لا تقارنوا أنفسكم بأحد، لأنكم مميزون بما أنتم عليه.

وكطالبة سورية، فإن شعوري بهذا الإنجاز في بلد أجنبي يملؤني بالفخر والمسؤولية.

أنا لا أرفع اسمي فقط، بل أرفع اسم بلدي، وأقول للعالم إن الشاب السوري، مهما كانت الظروف، قادر على أن ينجح، وأن يضيء.

والدها، الدكتور محمد صالح قال لـ”الحرية”: حين سمعت بالنتيجة، لم أتمكن من الكلام، دموعي كانت أسبق من أي كلمة، شعرتُ أن كل تعب، وكل دعاء، وكل لحظة صبر لم تذهب سُدى.. فاطمة لم تفاجئني، لأنها كانت دومًا تحمل صفات النبوغ، والثبات، والإصرار.

ويضيف الأب: منذ طفولتها كنت أرى فيها طالبة غير عادية. وعندما دخلت في هذا النظام التعليمي الصعب، كنت أعرف أنها ستنتصر، لا لأنها معجزة، بل لأنها مجتهدة بشدة.. نحن كعائلة لم نضغط عليها يومًا. كنا دائمًا نسألها “كيف تشعرين؟” بدلًا من “ماذا أنجزتِ؟”.

أردنا لها أن تكون مطمئنة، لأن النجاح لا يولد من القلق، بل من الحب والثقة.

وفّرنا لها بيئة مستقرة، دعمًا نفسيًا وعاطفيًا، والأهم: إيمان غير مشروط.

كنت أقول لها دائمًا: “اجتهدي لنفسك، لا من أجلنا”، و”الثقة بالله هي سر كل نجاح.”

في أصعب مراحل الغربة، من اللغة إلى الاندماج، كنا يدًا واحدة، لا نترك بعضنا مهما كانت الظروف.

غرسنا فيها حب الوقت، والصدق مع النفس، والتواضع بعد النجاح، وأن تُقارن نفسها بذاتها لا بغيرها.

ولم يكن يهمنا ما تدرس… المهم أن تبقى قريبة من الله، وأن تختار طريقًا له قيمة للناس ولها.

أجمل لحظة؟ عندما احتضنتني وقالت: “عملناها يا بابا”

حينها شعرت أن كل شيء كان يستحق… كل لحظة تعب كانت تزرع ضوءًا.

ويؤكد صالح قائلاً: هذا النجاح وحّدنا أكثر مما كنا عليه. فاطمة صارت مصدر إلهام لإخوتها، لأقاربها، ولمن يعرفها.

وشعرنا أننا في الغربة من أجل شيء يستحق… أولادنا هم رأس مالنا الحقيقي.

لن ننسى لحظة أول نتيجة لها في الصف العاشر، حين فرحت كما لو أنها ربحت جائزة نوبل… كانت تلك بداية اكتشافها لقوتها.

ولحظة إعلان نتيجة البكالوريا كانت أشبه بانفجار ضوءٍ في القلب، لا الدموع فيه تُحجَب ولا الفخر يُخفى.

رغم حاجتنا إلى مبادرات منظّمة لدعم الطلاب السوريين في المهجر، إلا أن هناك أفرادًا رائعين لا يترددون في تقديم المشورة والدعم.

وهذا يجعلنا نؤمن أن الخير لا يُحبس، وإن قلّ تنظيره.

وختم الأب: رسالتنا ان لا تجعلوا الغربة عائقًا… بل دافعًا. استثمروا الوقت، وكونوا جسورًا بين ثقافتكم الأصلية والجديدة.

إفشلوا لتتعلموا، وازرعوا الثقة في أنفسكم… فهي مفتاح المجد.

من تدمر إلى برلين، من دفتر صغير إلى منصّة تكريم… فاطمة صالح ليست مجرد طالبة متفوّقة، بل إنسانة نذرت نفسها للنجاح، بأخلاقها قبل علمها، وبتواضعها قبل إنجازها.

قصتها ليست فصلًا في كتاب دراسة… بل مرآة من نور لروحٍ قررت أن تُرى، لا فقط أن ترى.

Leave a Comment
آخر الأخبار