الحرية – نهلة أبو تك :
لا تزال سفوح الساحل السوري تحتفظ بلون الرماد، شاهدةً على موسم آخر من الحرائق التي التهمت الأخضر واليابس، مخلفة خسائر بيئية وزراعية فادحة، ومع بداية تموز، صدر المرسوم التشريعي رقم 114 لعام 2025، معدّلًا قانون الاستثمار رقم 18 لعام 2021، ليمنح الأمل مجدداً في إحياء المناطق المتضررة، ولاسيما الزراعية منها.
فرصة على الورق
ينص المرسوم الجديد على منح إعفاءات ضريبية وجمركية دائمة للمستثمرين في القطاعات الإنتاجية، مع تسهيلات تمويلية وحق استثمار أراضٍ حكومية بعقود طويلة الأمد، مع إعطاء الأفضلية للمشاريع التي توظف نسبة عالية من العمالة المحلية.
ورغم أن القانون لم يأتِ كردّ فعل مباشر على حرائق الساحل، إلّا أن المختصين يرون فيه نافذة ذكية لمعالجة تداعياتها، ولاسيما في ظل إنشاء صندوق تنمية زراعية يوفر تمويلًا ميسّراً، وتوافر مساحات واسعة من الأراضي القابلة لإعادة التأهيل والاستثمار.
بين الطموح والتحدي
لكن، وكما هي الحال دائماً، تبقى الفجوة قائمة بين النص القانوني والتنفيذ الميداني، في منطقة البسيط يعبّر المزارع سمير علي عن مخاوفه من ضياع الفرصة، قائلاً: تضرّرت أرضي بالكامل جراء الحرائق الأخيرة، وقد اطلعت على بعض ما ورد في القانون الجديد، لكن حتى الآن لم أتلقَ أي توجيه أو دعم فعلي، إعادة تأهيل الأرض تتطلب إمكانات تفوق قدرتي، فكيف يمكن لفلاح بسيط أن يبدأ من الصفر من دون أدوات أو تمويل؟
حديث سمير يعكس حال الكثير من المزارعين الذين وجدوا أنفسهم بعد الكارثة في مواجهة صعبة مع الواقع، وسط غياب برامج دعم مباشرة أو خريطة طريق واضحة تعينهم على استعادة مورد رزقهم الأساسي.
أدوات تنفيذ
الخبير الزراعي المهندس باسم حسن يرى في المرسوم فرصة حقيقية لتوجيه الاستثمارات نحو الزراعات المستدامة، كالنباتات الطبية والعطرية، ويقول: لدينا المقومات، لكن نحتاج إلى فرق دعم ميدانية، وتبسيط إجراءات التمويل والرخص، من دون ذلك يبقى القانون حبراً على ورق، و ننتظر التعليمات التنفيذية للمرسوم على أمل أن يكون معيناً فعلياً، خاصة في ظل الكارثة التي ألمّت بالساحل.
حسن: المرسوم فرصة حقيقية لتوجيه الاستثمارات نحو الزراعات المستدامة
من جانبه، يرى الدكتور عبد الهادي الرفاعي، عميد كلية الاقتصاد بجامعة اللاذقية، أن أهمية التعديلات لا تكمن فقط في إعادة الإعمار الزراعي، بل في نقل الزراعة من هامش السياسات الاقتصادية إلى صلبها، ويضيف:
تهدف التعديلات إلى تحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي، وتوفير بيئة تشريعية محفّزة، خاصة من خلال الحوافز الضريبية وتخفيف القيود البيروقراطية، هذا من شأنه جذب رؤوس الأموال، وتحريك عجلة النمو في قطاعات حيوية مثل الزراعة والطاقة، إذا توفرت الإرادة والتنفيذ الفعلي.
الرفاعي: أهمية التعديلات لا تكمن فقط في إعادة الإعمار الزراعي بل في نقل الزراعة من هامش السياسات الاقتصادية إلى صلبها
ويتابع الرفاعي: لا بدّ من أدوات تسويقية وتنفيذية تجعل القانون يصل إلى الفلاح، لا أن يبقى في أدراج المؤسسات و يجب أن يُرفق المرسوم بدليل إجرائي مبسّط، إضافة إلى فرق ميدانية ومكاتب جوالة تتنقّل بين القرى، تقدم الإرشاد والدعم الفني، وتشرح للمزارعين كيف يستفيدون من الفرص الجديدة.
نحو مشاريع نموذجية
يقترح مختصون تحويل بعض المناطق المتضررة – مثل جبل الشعرة والبسيط – إلى مشاريع استثمارية نموذجية، بالشراكة مع الجامعات وجهات القطاع العام والخاص، بما يسهم في خلق فرص عمل، ويمنع التعديات على الأراضي المحروقة.
فبدلاً من انتظار المبادرات الفردية، يمكن بناء نموذج زراعي تنموي يُحتذى به، يحقق التعافي الاقتصادي ويعيد التوازن البيئي.
ختامًا
يحمل المرسوم رقم 114 بارقة أمل حقيقية، لكنه لا يستطيع وحده أن يعيد الحياة إلى التربة المحترقة. فالقوانين– مهما بدت طموحة– تبقى رهينة قدرتها على الوصول إلى الناس، وتحوّلها إلى أدوات فعلية في الميدان.
وربما آن الأوان، بعد كل ما احترق، لأن تتحول النار إلى بذرة… والكارثة إلى فرصة.