الحرية- حسيبة صالح:
في زحمة الحياة التي لا تمهل أحداً، وُلِد الأمل في قلب شاب واجه المرض والموت عن قرب، ليحوّلهما إلى قصة صمود وإبداع تستحق أن تُروى. أسامة رشيد، لم تكن رحلته عادية. فهو طالب صيدلة ومخرج سينمائي، وعازف كمان، سطّر ملحمته رغم وجعه، وفي قلبه نوتة موسيقية لا تزال تعزف رغم الألم.
المرض لم يكن اختياراً.. لكن تجاوزه كان قراراً، حين أُصيب أسامة بمرض عضال في الرابعة عشرة من عمره، وما زال على مقاعد الصف التاسع الإعدادي. نقلته الحياة من دفاتر المدرسة إلى أروقة المستشفى القريب من خطوط الاشتباك، حيث أصبحت كل جلسة علاج مغامرة محفوفة بالخطر. ثماني عمليات جراحية واستئصال لعظم الفخذ تركته متكئاً على عكازين حتى اليوم، لكن لم يكسر ذلك عزيمته.
الصيدلة للخطة… والإخراج للشغف
اختار دراسة الصيدلة، لا بدافع الشغف، بل لأنها التخصص العلمي الأقرب إلى حالته الصحية جنباً إلى جنب مع حبه للكيمياء. لكنها لم تكن المحطة الوحيدة، فقد كان للسينما مكان خاص في قلبه. في فترات علاجه الطويلة، كانت الأفلام نافذته للعالم، وأصبحت مع الوقت بوصلته الثانية. قرر دراسة الإخراج السينمائي إلى جانب الصيدلة، مؤمنًا أن تعدد الطرق لا يُضعف المسيرة، بل يُغنيها.
وأكثر من ذلك، لم يمنعه المرض حتى من التعبير الفني المباشر. فقد كان طالبًا في معهد صلحي الوادي للموسيقا، يتعلم العزف على آلة الكمان، متحديًا القيود الجسدية بإبداع لا يُقيد.
دروس لا تُكتب في الكتب
من هذه التجربة، خرج أسامة بدروس لا تُنسى. قالها ببساطة تفيض نضجًا: “الصبر مفتاح لكل ما نمر به من صعوبات، مهما بدت مستحيلة.” كما أصبح يرى أن النجاح الحقيقي لا يكمن في تحصيل الشهادة، بل في توظيف العلم بإتقان لخدمة الناس. رحلة منحته نظرة أعمق للحياة، وعلّمته أن النضج لا يُقاس بالعمر، بل بالقدرة على التكيّف والإصرار.
رسالة مؤجلة… وطموحات لا تتوقف
ورغم قوته، لا يدّعي دور المُلهم، بل يقول بتواضع: “ما زلت في بداية طريقي، وكل شخص قادر على الوصول إن امتلك الإرادة.”
أما طموحاته؟ فهي أن يُكمل دراسته في الإخراج ويتقن تقنيات الذكاء الاصطناعي ليُوظفها في الإبداع البصري. يتطلّع أيضًا لإنشاء فيلم قصير عن تجربته، لكنه يرى أن هذا العمل يجب أن يأتي لاحقًا، حين يكون أكثر فهمًا لذاته وللرسالة التي يود إيصالها. فيما تبقى الخطط في مجال الصيدلة الخطط مفتوحة، تترقب لحظة العثور على التقاء بين العلم والإنسان.
من العائلة إلى المجتمع… قصة دعم لا تُنسى
لم يخض أسامة هذه الرحلة وحيدًا. فوالده وعائلته كانوا بجانبه في كل خطوة، أما والدته، فكانت بطلة الظل التي تلقّت الصدمة وتحولت إلى داعمٍ لا يُقارن. كذلك لا ينسى أسامة الدور الحيوي الذي لعبته الجمعية التي رعته صحيًا، وغرست فيه الأمل من جديد. وهو يؤمن أن الدعم الحقيقي لا يكون بالشفقة، بل بإيمان المجتمع بالإنسان أولًا، لأنه هو من يُنتج المعنى والإبداع والتطور.
حياة بنغمة مختلفة
حين يُسأل أسامة عن لحظة التحول، يبتسم بهدوء ويقول: “كل لحظة عشتها كانت نقطة قوة.” وهو اليوم يرى أن الحياة قاسية أحيانًا، لكن سعادتنا تكمن في قدرتنا على التكيّف معها دون فقدان ذواتنا.
وبين خطواته التي يرسمها العكاز، وصمته الذي تُترجمه أوتار الكمان، وكاميرته التي تنتظر القصة التالية – يواصل أسامة رشيد كتابة مشهد حياته… لا كبطل خارق، بل كإنسان اختار أن يعيش رغم كل شيء.