الحرية – نهلة أبو تك:
تنبض حرفة القصب بالحياة في قرية الصنوبر، كما في كثير من القرى الساحلية، ليعود صوت القصب يحكي حكاية تراث كاد أن يُنسى، ويعلن عن ولادة جديدة لحرفة طالما ارتبطت بالبساطة والجمال والبيئة.. إنها حرفة صناعة القصب، واحدة من أقدم الحرف اليدوية في محافظة اللاذقية، والتي استعادت اليوم بعضاً من ألقها مدفوعةً بأسباب اقتصادية وبيئية في آن معًا.
تستند إلى الجمال والضرورة
يرى يوسف خليل، أحد الحرفيين في قرية الصنوبر، أن إحياء حرفة القصب لم يكن ترفًا، بل حاجة فرضتها الظروف المعيشية وغلاء أسعار المواد الأخرى كالحديد والخشب، يقول:
“القصب متوفر بكثرة، لا يحتاج سوى للماء وينمو قرب الأنهار والسواقي، ومع ارتفاع الأسعار، صار القصب خيارًا عمليًا وجماليًا بالوقت نفسه.”
ويضيف خليل، الذي تعيل مهنته أسرته منذ سنوات: “صار الناس يبحثون عن بدائل رخيصة ونظيفة وصديقة للبيئة القصب يلبي هذا كله، ويعطي نتيجة جميلة في النهاية.”
لمسات عصرية
لم تعد صناعة القصب تقتصر على الأدوات المنزلية القديمة، بل طوّعها الحرفيون لتواكب احتياجات العصر، تدخل حاليًا في صناعة المظلات الشاطئية التي تزين مقاهي وشواطئ اللاذقية، كما تُستخدم في ديكورات المقاهي والشركات والمنازل، أما الكراسي المصنوعة من القصب، فقد شهدت رواجًا واسعًا بعد إضافة لمسات تصميمية عصرية جعلتها مطلوبة في الأسواق.
من الطبيعة
تمر صناعة القصب بمراحل دقيقة تبدأ بجني نبات القصب وهو أخضر من ضفاف الأنهار أو السواقي، ثم يُترك ليجف، وبعدها يُقشّر القصب اليابس بعناية، ثم يُربط ويُشكّل بطريقة حرفية، ويشير خليل إلى أهمية “نقع القصب” قبل البدء بتشكيله، كي لا يتكسر عند العمل عليه، قائلاً:
القصب يحتاج عناية.. وأهم شيء فيه هو الاتقان واليد الحرفية.
تراث بيئي متجدد
بحسب مختصين في الصناعات التقليدية، فإن القصب يُعد من أكثر المواد صداقةً للبيئة، فهو لا يترك مخلفات ضارة، ويُستخرج من الطبيعة دون الحاجة لمعالجات كيميائية، ويمكن إعادة تدويره بسهولة، كما يشكل فرصة للعمل الريفي، خاصة في ظل وفرة المادة الخام في الساحل السوري.
دعم الحرف اليدوية
رغم الانتعاش النسبي، لاتزال هذه الحرفة بحاجة إلى دعم رسمي وتسويق منظم، لتثبيت أقدامها كمصدر دخل حقيقي للكثير من العائلات، ويأمل الحرفيون أن تكون هناك مبادرات لفتح ورش تدريبية أو معارض دائمة تتيح لهم الوصول إلى الزبائن والسياح والمهتمين بالصناعات البيئية.