من عادات العيد في الحسكة.. القهوة المرة أولى الضيافات 

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية – خليل اقطيني:

الفسيفساء الديموغرافي الجميل في محافظة الحسكة جعل فيها 13 عيداً في السنة، وجميع أبناء المحافظة بمختلف قبائلهم وطوائفهم وأديانهم وانتماءاتهم يحتفلون بهذه الأعياد، ويتزاورون ويفرحون معاً من دون أي حساسيات، بطريقة تشعرك بأن هذا العيد أو ذاك من الأعياد السارية في المحافظة هو عيد الكل، ويفرح به الكل.

يحصل ذلك بشكل تلقائي ومن دون أي ترتيبات، إذ ما إن يحل العيد عند أي شريحة من شرائح المجتمع في الحسكة، حتى يندفع الجميع بمنتهى العفوية والمحبة لمعايدة تلك الشريحة والاحتفال معها بعيدها. ولا عجب في ذلك، فهذه هي الحسكة، سوريا المصغرة، 13 عيداً و6 لغات، ويعيش الجميع تحت سقف الوطن، عائلة واحدة متراصة متحابة.

وما عيد الأضحى المبارك إلّا واحد من تلك الأعياد، التي تكاد تكون الطقوس فيها جميعاً واحدة مع بعض الاختلافات البسيطة في الشكل لا في الجوهر. وذلك لأن المجتمع في الجزيرة تعتريه عادات وتقاليد متشابهة، ومازال محافظاً عليها، يتوارثها منذ قديم الزمان، في تعبير منه عن الأصالة والعراقة.

فما هي أبرز هذه العادات؟.

أولى الضيافات

الباحث في التراث عايش كليب يذكر لـ«الحرية» أنّ القهوة المرة العربية هي أولى الضيافات التي تقدم للمهنئين في العيد في محافظة الحسكة. حيث مازالت هذه القهوة تلازم كل بيت في كل مناسبة ولاسيما الأعياد، وإذا كانت أغلبية أهل المدن يشترونها محمصة من عند بائعي القهوة، ثم يقومون بإعدادها في البيوت، أو حتى جاهزة، فإن أغلبية أهل الريف وبعض أهل المدن مازالوا يقومون بتحميص حبوب القهوة المرّة بأنفسهم. حيث يوضع الحطب في (المنقل) ويتم إشعاله حتى يتحول إلى جمر، يوضع عليه (المحماس) المملوء بحبوب القهوة الخضراء، التي يتم تقليبها بوساطة عصا حديدية حتى تتحول إلى اللون البني، ويفضل الكثير من أبناء ريف الحسكة الاستمرار بتحميص القهوة حتى السواد. تـُرفع القهوة من (المحماس) وتوضع في إناء آخر حتى تبرد ويجف الزيت عن جسمها، ثم توضع في (المهباش) وتدق حتى الطحن. وتصبح جاهزة للتحضير، بإضافة 4 ملاعق كبيرة من البن المطحون إلى كوبين من الماء المغلي، وبعد 10 دقائق من الغليان تضاف ملعقتا هيل، ثم يحرك المزيج إلى أن تصل القهوة إلى اللزوجة المرغوبة، والبعض ينكهها بالقرنفل والزعفران والزنجبيل، ثم تصفى القهوة وتوضع في (الدلـّة) أو المصب، الذي يفضله أهل الحسكة شامياً رسلانياً، وإن كانت المصبات الخليجية بدأت بالظهور في بعض البيوت من قبيل التباهي.

طقوس متوارثة

ويضيف كليب: إن القهوة العربية يجب أن تكون جاهزة منذ الصباح الباكر في العيد، والبعض يجهزها في ليلة العيد (الوقفة)، ويتركها جاهزة في المضافة. ومع إطلالة أول ضيف، يبدأ تقديم القهوة العربية المرة.

ولهذا طقوسه المتوارثة حتى اليوم. إذ على من يقدمها أن يمسك (الدلّة) أو المصب بيده اليمنى والفنجان بيده اليسرى، ويشرب أول فنجان أمام الضيف وهذا يسمى (فنجان الهيف)، للتأكد أن القهوة جاهزة وغير (صايدة). ثم يتم تقديم القهوة للضيف الذي عليه استقبال الفنجان بيده اليمنى وهذا الفنجان الثاني يسمى (فنجان الضيف)، وإذا لم يهز الضيف الفنجان يُـقدم له الفنجان الثالث ويسمى (فنجان الكيف)، دلالة على استمتاع الضيف بالقهوة، والفنجان لا يـُهـَز إلّا في الأفراح، وإذا استمر الضيف بطلب القهوة يـُقدم له الفنجان الرابع ويسمى (فنجان السيف)، دلالة على أن الضيف يقف مع المضيف في السراء والضراء، وهناك الفنجان الخامس والأخير وهو (فنجان الفارس)، وهو فنجان يـُقدم في مناسبات خاصة، على من يقبل بشربه أن يتصدى للأعداء فإما أن يقتلهم أو يـُقتل.

ضريبة التطور

ويتابع كليب حديثه ممزوجاً بشيء من الأسى: للأسف اليوم استبدل بعض أهل مدن محافظة الحسكة المنقل والمحماس بالمحمصة، والمهباش بالمطحنة الكهربائية، والدلة (بالطرمز). لكن بالرغم من ذلك مازال العديد من سكان المحافظة متمسكين بالأدوات الأصلية لتصنيع القهوة العربية، ويحافظون عليها وما زالوا يستخدمونها في بيوتهم حتى اليوم، في دلالة على تمسكهم بتراثهم الذي توارثوه أباً عن جد .

Leave a Comment
آخر الأخبار