الحرية- طلال الكفيري:
لعل الكثير من المواقع الأثرية في السويداء فقدت هويتها التراثية والتاريخية، وخصوصاً بعد أن أصبحت مرتعاً للباحثين عن أحلام الثراء السريع داخل أسوارها وبواطنها، ظناً منهم أنها مملوءة بالكنوز الثمينة، فآمالهم الوهمية هذه كانت وللأسف الدافع الأبرز وراء انتشار عمليات التنقيب السري عن الآثار التي طالت مواقع أثرية كثيرة، وهي صراحة لم تعد سرية، ولاسيما أن ممتهنيها أصبحوا يمارسونها في وضح النهار وعلى عينك يا تاجر، وبات استفحالها يهدد تاريخ المنطقة وحضارتها بالاندثار.
طبعاً السعي وراء هذا السراب ما كان له ليكون لولا سياسة التجويع التي انتهجها النظام البائد بحق الشعب السوري، وعلينا هنا أن نشير إلى مسألة مهمة جداً، وهي أن النظام وأزلامه كانوا للأسف أول العابثين بهذه المواقع بدلاً من حمايتها والمحافظة عليها.
ونود أن ننوه هنا كذلك إلى نقطة هامة أن ممتهني الحفر السري لا يدركون مدى الخطر المُحدق بهم «فالهوس» بالحفر والاتجار بالآثار حصد في الآونة الأخيرة عدداً من الأرواح في المحافظة، بسبب الانهيارات التي حصلت خلال عمليات الحفر والتخريب العشوائي لعدد من المواقع الأثرية.
بينما الأخطر في الموضوع أن أعمال الحفر العشوائية، التي هي بالأصل مخالفة نصّاً وروحاً لقانون الآثار، أدت إلى فقدان معلومات تاريخية قيّمة عن المواقع المستهدفة، بسبب تدميرها، وهنا تكمن الطامة الكبرى حيث يصبح من المستحيل ترميمها وإعادتها كما كانت عليه قبل الحفر، لكون ذلك يحتاج لخبرات وكوادر فنية مختصة بالآثار، وإمكانات مادية كبيرة، فالحفر السري أو العشوائي الذي يمارس من قبل بعض العابثين، يختلف تماماً عن التنقيب الأثري المهني الذي هو من اختصاص السلطات الأثرية، كونه يشرف عليه مختصون من دائرة الآثار قسم التنقيب.
إذاً وللحد من هذه الظاهرة المشوهة للمعالم الأثرية، يجب على المجتمع المحلي مساندة السلطات الأثرية، والعمل على حماية هذه المواقع والمحافظة عليها، لأنها جزء من الهوية الثقافية والتراثية، ولا يجوز بأي شكلٍ من الأشكال طمسها.
فمن المفترض بالسلطات الأثرية أن تأخذ دورها الفاعل إزاء حماية هذه الأوابد، لكونها تعد عامل جذب للسياح من جميع أنحاء العالم، ما يساهم في دعم الاقتصاد المحلي، عدا عن ذلك فالمحافظة على المواقع الأثرية وقراءة رموزها بتمعن يساعدان على فهم تاريخ وحضارة المنطقة وتطورها عبر العصور.