مهنة “الجصاصة” تعود مجددا إلى دير الزور.. تراث قديم وفرصة عمل

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرّية- عثمان الخلف
عاد خضر الحساني لممارسة عمله في طلاء المنازل بواسطة مادة الجص الأبيض، وهي المهنة التي غابت عن محافظة دير الزور بفعل الأحداث التي عاشتها المحافظة، وتحويل النظام البائد لمواقع استخراج مادة الجص الأبيض (النوامير)، وتقع قرب مقبرة المدينة إلى منطقة عسكريّة.

مواقع استخراج الجص “النوامير” عادت لعملها

والعودُ أحمدُ

مع إشراقة شمس كل صباح ينطلق الحساني وأفراد ورشته المؤلفة من 7 عمال إلى مواقع العمل الذي يتواصل طيلة النهار.
وتُعدُّ مهنة الطلاء بالجص أو كما يُطلق على من يعملون بها (الجِصاصة) مهنة قديمة وقد اشتهرت بها محافظة دير الزور، كما تُعد مصدر دخل للعاملين بها.
في حديثه لـ”الحرّية” يقول الحساني: “بدأت العمل بالمهنة في عمر الرابعة عشرة، جاوزت سن الخمسين وما أزال أعمل بها حتى الآن، ولم أنقطع عنها سوى سنواتٍ معدودة، فقد حُرمنا من عملنا لكون مواقع مادة الجص، أو ما يُعرف بـ (النوامير)، كانت ساحة مواجهة مع تنظيم “داعش”، الأمر الذي اضطرنا لنقل عملنا إلى محافظة الرقة، كنا نستخرج مادة الجص من هناك ونعمل على طلاء المنازل بها”.
ويتابع الحساني حديثه: “المهنة كما أسلفت لا توجد سوى في محافظة “دير الزور”، وقريتي “حطلة” اشتهرت بها أكثر، إذ يوجد فيها العديد من الورشات يغطي عملها كل المحافظة، وفيها شيوخ كار منهم من توفي ومنهم من كبر بالعمر ليُكمل ممارستها أولاده من بعده، مشيراً إلى تحدٍ جديد بات يُضاف إلى أعباء المهنة وهو ارتفاع أسعار المادة، إذ يصل سعر (الشنبل) وهو مُسمى وحدة القياس المستخدمة (6 تنكات جص) إلى 100 ألف ليرة، لترتفع أيضاً كلفة طلاء المنازل، لكن حسب مساحتها التي قد تتطلب أكثر أو أقل من المادة المذكورة، فالمساحة تلعب دوراً بالكلفة، في الغالب تُراوح بالنسبة لمنزل واحد مابين 5 ملايين و500 ألف ليرة سورية، إلى 6 ملايين، نزاول عملنا في دير الزور والرقة والحسكة، فهي المناطق التي اعتادت استخدام الجص لطلاء المنازل، كنا سابقاً نتوجه إلى ريف حلب الشرقي، كذلك ريف دمشق الجنوبي، لكن الأمر توقف وأظننا سنعود مع الوقت، وتعافي بلدنا”.

6.5 ملايين ليرة كلفة طلاء المنزل الواحد

النوامير

بدوره يشير معلم المهنة خالد الحنادة إلى ما طرأ على المهنة من تحسينات إذ لم تعد مادة الجص تُستخدم لوحدها في عملية طلاء المنازل، بل أضيف إليها الأسمنت الأسود أو الأبيض، وبعد عودة الحياة لدير الزور بالخلاص من نظام الأسد، عادت مواقع استخراج الجص (الرخام الديري) والتي تُسمى محلياً (النوامير) للعمل من جديد بعد توقف لسنوات، مبيناً أن 14 منها تُزاول عملها المُعتاد الآن، يتم منها الحصول على مادة الجص التي يرغب بها الأهالي في طلاء منازلهم بها، هناك نوامير سعتها 2000 شنبل، وأخرى سعتها 1500، ومنها ما تصل سعتها إلى 1000 شنبل، ويوجد الآن نوامير سعتها 800، واشتهر من أصحاب (النوامير) قديماً كل من: محمد الفنوش، سلامة الدراخ، و سلوم الحاج، وعلاوي العويش و”حسين العيسى الكليل، جاسم الرسلي، و محمد الدندل.
مُعبراً عن سعادته بالعودة لمزاولة المهنة مجدداً فهي كما يقول: “مصدر رزقه ولا يُتقن غيرها فالطلاء كما ريشة الفنان على اللوحة يحتاج إتقاناً، هي ليست عملية طلاء فقط بل هي فن له جماليته”.

فرص عمل

كُثر من شباب محافظة دير الزور اعتادوا العمل بمهنة (الجِصاصة)، وخصوصاً طلاب الجامعات والمدارس، من أبناء الريف بالخصوص، الذين وجدوا فيها فرصة للعمل صيفاً بغية تأمين مصروفهم.
يقول الشاب الجامعي عماد العبد الله: “بدأت العمل بالمهنة منذ كنت في الخامسة عشرة، وما أزال أعمل بها حتى الآن ولكن في الصيف فقط.. العمل هنا ممتع رغم صعوبته، تسمع الأهازيج والأغاني، هناك من يغني “المولية” الفراتية والمواويل، ففي هكذا أجواء يمضي وقت العمل مُسرعاً”.
الشاب حسن الحساني الذي تعلّم المهنة من والده يقول: “تعلم المهنة لم يكن بالأمر السهل، كثيراً ما كنت أتعرض لغضب والدي في سبيل تعليمي، لم أتابع دراستي فقد درست حتى الصف التاسع للتعليم الأساسي والآن أنا بمرتبة معلم في هذه المهنة ويعتمد علي والدي في عمله وإدارة الورشة التي تعود لنا”.

فرصة عمل للشباب.. لاسيما الجامعيين وطلبة المدارس

تسميات

عن هذه المهنة وتفاصيلها يتحدث الباحث في التراث غسان رمضان لـ”الحرّية”: “مادة الجص تُستخرج من الصخور الكلسيّة (الرخام الديري) من مواقع تُسمى (نوامير)، وهي توجد قريباً من منطقة المقابر في مدينة دير الزور، و(النامورة) عبارة عن مصنع خاص إن صح التعبير، يتم فيه تكسير الصخور ثم طحنها، تليها عملية الغربلة لتتحول إلى مادة الطلاء (الجص)، وبالنظر لبيئة المحافظة الحارة صيفاً وذات المناخ القارّي شتاءً، فإن الجص يُستخدم لطلاء المنازل من الداخل والخارج لدى أغلبية الأهالي، فهو يُشكّل بطانة عازلة للحرارة والبرودة عكس مادة الأسمنت”.
ويضيف رمضان: “لمهنة (الجصاصة) أدواتها ومُسمياتها الخاصة، كما تسميات عمال ورشاتها وحتى مقاييس وزن المادة، كلاً له اسمٌ خاص، في الغالب تتألف ورشة العمل من سبعة أشخاص وهم: المعلم وهو صاحب الورشة، (الخَلْفَة) وهم بمنزلة معلمية الكار وعددهم 2، وهناك معلم (الجبل) وهو من يقوم بمزج الجص بالماء، وآخر يُسمى بـ(المشاش) يُمسك خرقة من قماش أبيض يمسح بها الجدار بعد طلائه، هناك أيضاً (الخمّار)، و(النويشة) وعددهم 2، وهؤلاء غالباً فتية أو شباب، أما الأدوات فتجد (المالج) ويُستخدم للصق الجص على الجدار، ومن ثم مده بشكل رتيب بسماكة معينة وبشكل مستقيم، أما العدة الرئيسية والتي تُستخدم للأسقف والجدران المرتفعة فتُسمى (أسكلة) وهي عبارة عن أبواب وأعمدة من الخشب للصعود عليها وممارسة عملية الطلاء، فيما تُسمى وحدة قياس كمية الجص المطلوب “شنبل” وهي زنة 6 تنكات كبيرة، قرابة 200 كغ من المادة المذكورة.

Leave a Comment
آخر الأخبار