الحرية – عمار الصبح:
تتزايد أرقام العائدين من مخيمات اللجوء في الأردن إلى مدنهم وقراهم في محافظة درعا يوماً بعد آخر، بعد رحلة لجوء قسري استمرت ما يقرب من عقد ونصف من الزمن، فرضتها ممارسات النظام البائد بحقهم.
ستة أشهر مرت على التحرير عاد فيها آلاف المهجرين طواعية إلى مناطقهم، يتطلع هؤلاء إلى حياة جديدة تعكس آمالهم في بناء مستقبل أفضل، وسط توقعات بأن تتضاعف أرقام العائدين تباعاً في الأشهر القادمة.
تخوف من عدم تأمين فرص عمل وخيار العودة لا يزال معلّقاً بالنسبة لمن دُمرت منازلهم
آمال العودة
نزار الياسين أحد العائدين من مخيم الزعتري بعد رحلة لجوء استمرت ١٣ عاماً، ذكر أن تأخير عودته لم يكن بيده، إذ اضطر إلى تأجيل العودة لحين انتهاء العام الدراسي، وهذا ما ساعده على ترتيب أموره والعودة مع العائلة، ولو كان الأمر بيده كما يقول، لكانت عودته مع لحظة إعلان التحرير قبل ستة أشهر.
وأضاف: “حسبما أعلم فإن أغلبية اللاجئين السوريين في الأردن يتطلعون للعودة في وقت قريب، وخصوصاً أن قرار إلغاء العقوبات الاقتصادية شجع الكثيرين على التفكير جدياً بالعودة مع توقعات بتحسن الوضع الاقتصادي”.
ولفت إلى أن “البعض لديه ارتباطات عمل ينتظر إنهاءها، وآخرين اضطرتهم ظروف دراسة أبنائهم في الجامعات إلى تأجيل العودة مؤقتاً، فيما ينتظر آخرون حدوث تحسن في الوضع الاقتصادي في مناطقهم لاتخاذ قرار العودة الطوعية”.
الياسين لا يخفي فرحته بالعودة، لكنه بالمقابل يجد الواقع صعباً، فرغم الجهود الحكومية التي تبذل في سياق مساعدة العائدين والمبادرات المجتمعية التي تحاول جاهدة مد يد العون لهم، تظل مشكلة المنازل المدمرة أكبر من أن تستطيع هذه المبادرات والجهود حلها، فهي تحتاج حسب قوله إلى مشروع متكامل لإعادة الإعمار يمكّن العائدين من استعادة حياتهم الطبيعية، وخاصة العائدين من دول الجوار.
جهود حكومية ومبادرات مجتمعية لمساعدة العائدين على استعادة حياتهم الطبيعية
مؤشرات
ووفقاً لما أشار إليه الكثير من العائدين في حديثهم لـ”الحرية”، فإن احتمالية العودة الطوعية للاجئين في الأردن آخذة في الارتفاع، وخصوصاً في أوساط ممن لا زالوا يمتلكون منازل للسكن في قراهم وبلداتهم الأصلية، فيما يظل خيار العودة معلقاً بالنسبة لمن لا يملكون السكن، أو تعرضت منازلهم للتدمير.
عمار قنيص /٥٠/ عاماً والذي مضى على عودته قرابة الشهرين، وصف عودته بالحلم الذي تحقق بعد لجوء قسري فرضه النظام السابق.
وأضاف قنيص في حديثه لـ”الحرية” :”نشعر بالأمل لما نراه من تحسن في مناطقنا ونتطلع إلى البدء بحياة جديدة مستقرة، لولا أن الدمار الذي لحق بمنازل الكثير من العائدين قد نغّص عليهم فرحة العودة”. وبيّن أن المباني المدمرة هي أكبر تحدٍّ يواجه العائدين، فحجم الدمار كبير والإمكانات المادية محدودة، وهذا ما دفع كثيرين إلى ترميم أجزاء من منازلهم وترك الباقي إلى أن تتحسن ظروفهم المادية، مشيراً إلى مشكلة أخرى تتمثل بتوفير فرص العمل التي تحتاج على ما يبدو وقتاً طويلاً، وهو ما يعني مزيداً من الانتظار وكثيراً من الصبر.
وبرأيه التحديات كثيرة، لكن الأمل أكبر، وهو واثق بأن الصعب قد مرّ، وأنها مرحلة وستنقضي وسيتمكن العائدون بعدها من العودة إلى حياتهم الطبيعية.
سكن بديل
وفي ظل ظروف اقتصادية صعبة يعيشها العائدون، يجد الكثيرون صعوبة في تأمين سكن بديل ومؤقت حتى الانتهاء من ترميم منازلهم، في وقت شهدت فيه إيجارات المنازل ارتفاعات قياسية خلال الأشهر الماضية.
ووفقاً لصاحب مكتب عقاري في مدينة درعا، فإن الطلب على الشقق السكنية يشهد ارتفاعاً ملحوظاً مع زيادة في أرقام العائدين بعد التحرير، في وقت سجلت الإيجارات ارتفاعاً تجاوز ١٠٠ بالمئة، فالمنزل الذي كان يؤجر بـ٤٠٠ ألف ليرة ارتفعت قيمة إيجاره إلى مليون ليرة، مشيراً إلى أن هذه الارتفاعات لم تقتصر على المدينة فقط، بل وصلت إلى أرياف المحافظة التي شهدت هي الأخرى طلباً متزايداً على السكن المؤقت وارتفاعاً في قيمة الإيجارات.
ويبذل العائدون جهوداً حثيثة لترميم منازلهم، بعضهم نجح في المهمة فيما ينتظر غيرهم أن تتسارع عجلة إعادة الإعمار ودخول منظمات دولية للمساعدة.
وفي هذا السياق أكد محمود الزعبي أحد العاملين في الشأن الإغاثي، أن محافظة درعا نفذت حملة ميدانية شاملة لحصر الأضرار الكلية والجزئية التي لحقت بالمنازل السكنية جراء قصف النظام البائد، بهدف إنشاء قاعدة بيانات دقيقة تُسهم في إعداد مشاريع ترميم تُرفع إلى المنظمات المهتمة بإعادة الإعمار، بالتنسيق مع الجهات والفرق التطوعية.
وأشار إلى أن الحملة التي نفذتها مجالس البلديات بالتعاون مع فرق تطوعية، شملت تسجيل تفاصيل دقيقة مثل اسم الحي، رقم العقار، مساحة البناء، عدد الطوابق، ونوع الضرر الذي لحق بالأبنية (كلي أم جزئي).
ولفت الزعبي إلى العديد من المبادرات المجتمعية التي جرى تنفيذها في العديد من مناطق المحافظة لمساعدة العائدين وتمكينهم من بدء حياة جديدة، سواء عبر استضافتهم أو تقديم العون المادي لهم وتقديم الأثاث وغيره من المستلزمات الحياتية الأخرى، مؤكداً أهمية مواصلة هذه المبادرات وتكثيفها وتكاتف المجتمع المحلي في كل قرية وبلدة إضافة إلى الجمعيات الخيرية والإغاثية للوقوف إلى جانب العائدين وتقديم يد المساعدة لهم، إلى أن تتهيأ الظروف لدوران عجلة مشاريع إعادة الإعمار والتمويل الدولي.