موظفو “الكول سنتر” جيش إنساني مجهول يعمل خلف السماعات

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

الحرية- دينا عبد:

في الجهة المقابلة من السماعة يجلس موظف “الكول سنتر” يرد على مكالمات الناس ويحل مشاكلهم بصوت هادئ ويعتذر نيابة عن الشركة والتي ربما لا يسمع فيها كلمة “شكراً” على ما يقدمه من خدمات ويودع المتصل بود رغم أن بداخله ضيقاً وتوتراً من ضغط المكالمات.

هؤلاء هم موظفو “الكول سنتر”، جيش مجهول يعمل خلف السماعات، يتلقون يومياً عشرات المكالمات، يتحملون الغضب، التوتر، والطلبات المستحيلة، من دون أن يمنحوا فرصة التنفس أو التعبير عن الألم.

حالات

“حسن” شاب في العقد الثالث من عمره يعمل منذ قرابة خمسة أعوام في أحد مراكز الاتصال ، يبدأ دوامه عند التاسعة صباحاً ولا ينتهي قبل السادسة مساءً يقول لصحيفة الحرية: أستقبل في اليوم أكثر من 100 مكالمة، معظمها شكاوى نرد بكل لطف وممنوع أن نغضب، أو أن نرتبك، أو حتى أن نصمت أكثر من ثانيتين لكنه لا يجرؤ على الشكوى، فكل تأخير أو تراجع في الأداء يقابله خصم مالي.
ويبين حسن خريج هندسة الاتصالات رغم الصورة اللامعة التي يأخذها البعض عن أجواء العمل الحديثة إلّا أن بيئة العمل شديدة الانضباط، فالأداء يقاس بالثواني، الكلام محسوب، ومدة كل مكالمة تخضع للتقييم حتى نبرة الصوت تراقب، من يمرض عليه أن يثبت ذلك بتقرير، ومن يتأخر عليه أن يعتذر، ومن يتعب عليه أن يصمت أو يترك العمل إلى لا رجعة.
مي هي الأخرى تعمل منذ عامين في مركز اتصال لشركة إنترنت تقول: إنها بدأت تشعر بألم دائم في الرقبة، وصداع لا يفارقها، لكنها لم تجرؤ على أخذ إجازة، لأن الإجازات مشروطة وأي غياب يؤثر على التقييم الشهري وخصم من الراتب .
وتضيف أنها تعامل كأرقام هي وزملاؤها، ليس كأشخاص، حتى الضحك يجب أن يكون ضمن “البروتوكول”، نضحك حين يطلب منا، ونسكت حين يراد لنا أن نسكت.
الاستشارية التربوية صبا حميشة ترى أن ما يعانيه موظفو “الكول سنتر” هو شكل من أشكال “الضغط الممنهج” الذي يمارس باسم إنتاجية العمل وتقول حميشة : تفرض على العاملين بصفة الكول سنتر معايير أداء دقيقة ومكثفة يطلب منهم الرد السريع واللباقة والسيطرة على الانفعالات وفي المقابل لا يحصلون على ما يقابل هذا الجهد من دعم نفسي أو تقدير معنوي”.
وتضيف إنّ كثيراً من العاملين في هذا المجال يصابون تدريجياً بما يعرف بـ”الاحتراق النفسي” نتيجة التكرار والروتين والاحتكاك المستمر مع مشاعر سلبية من الطرف الآخر” المتصلين”
الذين يكون همهم الوحيد حل مشاكلهم أو الحصول على إجابة من دون مراعاة مشاعر الغير.
بدوره الدكتور سمير بركات اختصاصي الصحة العامة يشير خلال حديثه لصحيفة الحرية أن الجلوس لفترات طويلة من دون حركة والنظر المستمر في الشاشات يسببان مشاكل في العمود الفقري وتشنجات عضلية إضافة إلى إجهاد العين والصداع المزمن، فكثير من الموظفين يراجعون العيادات بسبب آلام الرقبة والظهر، والتهابات في المفاصل ناتجة عن استخدام سماعات الرأس لفترات طويلة.

Leave a Comment
آخر الأخبار