‏«ناتو» في مفترق طرق.. هل بدأ العد التنازلي لانهياره؟

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية- سامر اللمع:

‏ ما بين مدفأة المكتب البيضاوي في البيت الأبيض, وبين مدفأة «10 داونينغ ستريت», قد تشهد أوروبا ‏عموماً وحلف شمال الأطلسي «ناتو» خصوصاً تطورات واسعة, من شأنها تغيير صيغة التحالفات ‏الأمنية التي ترسخت ما بعد الحرب العالمية الثانية.‏

فأمام الأولى عُقد لقاء بارد ومتشنج بين الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي و نظيره الأمريكي ‏دونالد ترامب, أما الثانية فقد شهدت لقاءً حاراً بين زيلينسكي ورئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر.‏

اللقاء الأول تمخض عن مغادرة زيلينسكي البيت الأبيض من دون التوقيع على صفقة المعادن والضمانات ‏الأمنية مع الإدارة الأمريكية والتي كان من المفترض أن تكون محفزاً لانطلاق محادثات لإنهاء الحرب ‏الأوكرانية – الروسية, بينما نتج عن اللقاء الثاني دعمٌ بريطانيٌ واسعٌ للرئيس الأوكراني لمواصلة القتال ‏في تلك الحرب، كما تم الاتفاق لرسم خطوط قمة لندن للأمن والذي تم عقدها يوم الأحد الماضي.‏

مجريات القمة عكست تناقضاً في الموقف الأوروبي، حيث تحاول القارة العجوز إيجاد توازن بين دعم ‏أوكرانيا وعدم الانزلاق إلى مواجهة مباشرة مع روسيا.‏

وفي حين تسعى بعض الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا وألمانيا، إلى تعزيز قدراتها الدفاعية بشكل ‏مستقل عن الولايات المتحدة، أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر خلال القمة عن نية بلاده تقديم ‏خطة سلام للولايات المتحدة، مشدداً على ضرورة إنهاء الحرب، لكنه في الوقت ذاته أكد التزام لندن بتقديم ‏مزيد من الدعم العسكري لكييف، بل وطرح إمكانية إرسال قوات إلى أوكرانيا تحت ذريعة «حفظ ‏السلام».‏

تطورات وتداعيات التعاطي الأمريكي والأوروبي, كل على حدة, مع الحرب الروسية – الأوكرانية ‏وخاصة ما توضح من الموقف الأمريكي المتذبذب حيال الالتزام تجاه التحالف عبر الأطلسي, قد يفتح ‏الباب لظهور منظمة جديدة يُطلق عليها اسم «منظمة المعاهدة الأوروبية –إيتو»، بدلاً من «منظمة ‏معاهدة شمال الأطلسي –ناتو» وفقاً لما ورد على لسان القائد الأسبق للحلف, الأدميرال الأمريكي جيمس ‏ستافريديس الذي شغل منصب قائد «ناتو» في أوروبا ما بين عامي 2009 و 2013.‏

وقال ستافريديس لشبكة سي إن إن: «قد نشهد الأيام الأخيرة لحلف ناتو، هذه قضية مثيرة للخلاف والجدل ‏وترتبط بمن يدعم ديمقراطية تتعرض للهجوم، أو ديكتاتوراً في موسكو».‏

وأضاف «هذا الخلاف والجدل يدقان إسفيناً عميقاً في قلب الحلف، الذي سينزف إلى ما وراء أوكرانيا، ‏ويرتبط بما إذا كان يمكن الوثوق بالولايات المتحدة كشريك».‏

ورأى ستافريديس أنّ أوروبا في هذه المرحلة بحاجة إلى إنفاق دفاعي أكبر، وشركات دفاعية أوروبية ‏وبناء قوات مسلحة وهيكل قيادة خارج «ناتو».‏

وبالعودة لقمة لندن فقد ناقش المشاركون ضرورة أن تؤدي أوروبا دورها في مجال الدفاع والخطوات ‏التالية للتخطيط لضمانات أمنية قوية في القارة، في مواجهة خطر انسحاب المظلة العسكرية والنووية ‏الأميركية.‏

إذ أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون, استعداده لفتح النقاش حول ردع أوروبي نووي في المستقبل ‏بعد طلب بهذا الخصوص من المستشار الألماني المقبل فريدريش ميرتس الذي رأى من الضروري أن ‏تستعد أوروبا لأسوأ سيناريو المتمثل بتخلي واشنطن عن حلف شمال الأطلسي.‏

‏ إنّ الحديث عن استقلال دفاعي أوروبي ليس جديداً، لكنه اليوم يواجه اختبارات عملية في ظل تصاعد ‏الحرب في أوكرانيا والتغيرات المحتملة في السياسة الأميركية.‏

فبينما تحاول أوروبا تعزيز مكانتها الإستراتيجية، فإنها تواجه واقعاً معقداً من التحديات العسكرية ‏والاقتصادية والسياسية.‏

في ظل ذلك, يبقى «ناتو» في قلب هذه المعادلة، فإما أن يعيد تشكيل دوره ليتلاءم مع هذه التحولات، أو ‏أن يواجه خطر التآكل التدريجي، وهو ما قد يؤدي إلى إعادة رسم ملامح الأمن على ضفتي الأطلسي ‏لعقود قادمة.‏

Leave a Comment
آخر الأخبار