الحرية – فادية مجد:
تواجه زراعة التبغ أزمة متفاقمة تهدد استمراريتها، في ظل غياب الدعم وارتفاع تكاليف الإنتاج بشكل غير مسبوق، آلاف الأسر التي تعتمد على هذه الزراعة كمصدر دخل رئيسي تجد نفسها اليوم أمام واقع اقتصادي قاسٍ، دون أي ضمانات أو دعم ينقذ ما تبقى من هذا القطاع الحيوي.
من الاكتفاء إلى الخسارة
في لقاء أجرته صحيفة «الحرية» في منطقة القدموس مع عدد من المزارعين، قال أحمد حسن: «أزرع التبغ منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وكانت هذه الزراعة تكفينا وتسترنا، أما اليوم فقد أصبحت عبئاً لا يُحتمل، أسعار الأسمدة والمبيدات والوقود ارتفعت بشكل جنوني، وأجرة الفلاحة أصبحت فوق قدرتنا، ونبيع التبغ بسعر لا يغطي حتى تكلفة الإنتاج، والسوق المحلية غارقة بالسجائر الرخيصة، ما جعل التبغ المحلي بلا قيمة».
وأضاف المهندس الزراعي هيثم سلمان إن المؤسسة العامة للتبغ لا تعتمد سياسة واضحة في التسعير، ولا تضمن هامش ربح يحمي المزارعين من الخسارة، والأسوأ من ذلك أن مستحقات موسم 2024 لم تُصرف حتى الآن رغم مرور أشهر طويلة، مشيراً إلى أن محصول عام 2025 لا يزال بانتظار قرار المؤسسة بشأن استلامه، دون أي إعلان أو توضيح، ما يعكس غياب خطة أو منهجية واضحة للحفاظ على هذه الزراعة.
ويرى المزارع آصف حامد أن زراعة التبغ ليست مجرد عمل، بل حياة كاملة تشارك فيها العائلة من الكبير إلى الصغير، وكانت تغطي نفقاتهم الأساسية، لكنها اليوم لم تعد تكفي حتى لسد الرمق، وأضاف إن التعويضات المقدمة في حالات الكوارث الزراعية ضئيلة ولا تتناسب مع حجم الضرر.
بدوره، طالب المزارع حيان إسماعيل بإنصاف زراعة التبغ التي تعرضت للظلم سابقاً، من خلال وضع تسعيرة عادلة للمحصول، وصرف المستحقات المتأخرة، وتقديم الدعم اللازم وتخفيض تكاليف الإنتاج، وأوضح أن المزارعين ينتظرون استلام محصول هذا الموسم، لمعرفة ما إذا كانت الجهات المعنية ترغب باستمرارهم في زراعة التبغ، أم إن هناك خطة بديلة لزراعات أخرى تناسب أراضيهم.
آلاف الأسر تعتمد على زراعة التبغ كمصدر دخل رئيسي واليوم تعاني من واقع اقتصادي قاسٍ
خطة الزراعة مستمرة
من جهته، أوضح مدير زراعة طرطوس، حسن حمادة، أن المساحة المخططة لمحصول التبغ لموسم 2024–2025 تبلغ 3000 هكتار بعل و300 هكتار سقي، وهي خطة مستمرة تصدر عن وزارة الزراعة، وأكد أنه لا يوجد برنامج دعم في القدموس ولا في محافظة طرطوس عموماً، مشيراً إلى أن الدعم كان يُقدم سابقاً عبر وزارة الصناعة، التي كانت تسلم البذور مجاناً وتستلم المحصول بعد تسليمه بالكامل، كما كانت توفر المبيدات أو عمليات المكافحة مجاناً.

تأخر الاستلام
رئيس اتحاد فلاحي طرطوس، المهندس رائد مصطفى، أوضح لـ«الحرية» أن تأخر استلام محصول التبغ هذا الموسم يعود إلى ظروف فنية ولوجستية تتعلق بعمليات الفحص والتصنيف والتخزين لدى المؤسسة العامة للتبغ، وأشار إلى أنه تم التنسيق مع فروع المؤسسة في المحافظات لتسريع وتيرة الاستلام، مع فتح مراكز إضافية وتوفير اللجان الفنية في الوقت المناسب، تجنباً للازدحام، وزيادة عدد اللجان المختصة بالفرز والتقدير، مع متابعة مباشرة من الاتحاد لتذليل العقبات. كما تم التأكيد على الإسراع في إنجاز التدقيق المالي، وهناك جدول زمني قيد الإعداد لتسديد الدفعات تدريجياً قبل نهاية العام، مع إعطاء الأولوية لمن سلّموا محاصيلهم في المواعيد الأولى.
تحديات الإنتاج الزراعي
وأشار مصطفى إلى أن الاتحاد رفع عدة مقترحات للجهات المعنية لتخفيف الأعباء عن المزارعين، من بينها المطالبة بدعم جزئي لأسعار الأسمدة والمبيدات والمازوت الزراعي، والتنسيق مع المصرف الزراعي لتسهيل منح القروض قصيرة الأجل بأسعار فائدة مخفّضة، والدعوة إلى توسيع برامج الدعم من خلال صندوق دعم الإنتاج الزراعي، ومتابعة استقرار أسعار المدخلات عبر الجهات التموينية المختصة.
مطالب بآلية تسعير شفافة
وأكد مصطفى وجود تواصل مستمر بين الاتحاد العام للفلاحين والمؤسسة العامة للتبغ بشأن تحديد أسعار المحصول، مشيراً إلى أن غياب سياسة تسعير واضحة يعود إلى التذبذب في تكاليف الإنتاج والأسعار العالمية للتبغ الخام، إضافة إلى الوضع المالي العام للمؤسسة، وطالب الاتحاد باعتماد آلية تسعير شفافة ومسبقة تُعلن قبل بدء الموسم، تأخذ بعين الاعتبار تكلفة الإنتاج وهامش ربح مجزٍ للفلاح.
دعوة للإنصاف
وشدد مصطفى على أحقية شكاوى المزارعين من انخفاض نسب التعويض من صندوق الجفاف والكوارث الطبيعية مقارنة بحجم الضرر، مبيناً أن الاتحاد رفع مذكرة رسمية إلى وزارة الزراعة تطالب بمراجعة أسس التقدير المعتمدة، وزيادة مخصصات الصندوق بما يتناسب مع حجم الخسائر، وإشراك ممثلين عن الفلاحين في لجان تقييم الأضرار لضمان العدالة والشفافية.
كما دعا إلى تثبيت سياسة تسعير عادلة ومبكرة قبل الموسم الزراعي، وتأمين مستلزمات الإنتاج بأسعار مدعومة، وتحسين آلية استلام المحصول، وتقصير مدة صرف المستحقات، ودعم برامج الإرشاد الزراعي، والتوسع في الزراعات البديلة، وزيادة مخصصات صندوق الكوارث الزراعية، ووضع خطة وطنية لتطوير صناعة التبغ بما يضمن استدامة هذه الزراعة ومردودها الاقتصادي.