«ناشيونال إنترست»: ما الذي تحتاجه سوريا- مع رفع العقوبات- لتحقيق عملية تعافٍ متينة ومستدامة؟

مدة القراءة 9 دقيقة/دقائق

الحرية- مها سلطان:

مع رفع العقوبات، ما الذي تحتاجه سوريا أيضاً لتحقيق عملية تعاف، سياسي واقتصادي، يُعتدُّ بها، وبما يثبت أقدام البلاد على طريق التنمية والازدهار الاقتصادي؟
سؤال طرحته صحيفة «ناشيونال انترست» الأميركية في مقال لها اليوم السبت، مؤكدة في الوقت ذاته على الأهمية الكبيرة لعملية رفع العقوبات الغربية/الأميركية والأوروبية/. وفيما الاستثمارات تتدفق إلى سوريا تحدثت الصحيفة الأميركية عما سمته تدخلاً استباقياً إقليمياً- دولياً لتحقيق الاستقرار المطلوب، وحددت جهات فاعلة مثل السعودية والإمارات وتركيا للقيام بهذه المهمة، كما تحدثت عن عملية معقدة من المصالح المتشابكة ومنعكساتها على سوريا.

وحسب “ناشيونال انترست” فإن رفع العقوبات ليس سوى البداية لما هو مطلوب لمساعدة سوريا على التعافي، ووصفت قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سوريا بأنه تاريخي (والذي قاد إلى قرار أوروبي مماثل) وبما مهد الطريق للاستثمار وإعادة الإعمار، ومن شأنه تسهيل عودة سوريا إلى الاقتصاد العالمي، وكذلك تقديم الإغاثة الضرورية لملايين المدنيين الذين يعتمدون على المساعدات الإنسانية.

مع ذلك، فإن هذه التحركات من جانب واشنطن وأوروبا ليست سوى خطوة أولى، ومستقبل سوريا يعتمد على التدخل الاستباقي للقوى الإقليمية والعالمية المهتمة باستقرار دمشق. وينبغي على جهات فاعلة مثل السعودية والإمارات وتركيا اغتنام الفرصة الراهنة لإحياء جهود إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية، وبما يؤدي إلى وضع سوريا ما بعد الأسد على المسار الذي يُرجّح أن يُضعف نفوذ إيران في المنطقة أكثر، ويُقلّل من تداعيات الصراعات على الدول المجاورة، ويُخفف من معاناة الشعب السوري التي استمرت عقوداً.

وترى الصحيفة الأميركية أن أسوأ طريقة لتخفيف المخاطر في سوريا ما بعد الأسد هي التقاعس. وتقول: ينبغي على المجتمع الدولي أن يشارك بفعالية في دعم عملية الانتقال في البلاد. وبينما يُعد رفع العقوبات الأميركية والأوروبية بداية إيجابية، إلا أنه يجب أن يقترن بجهود دبلوماسية أوسع، واستثمارات، وتدخل إنساني. فدون هذا الدعم الحيوي والمشاركة الفاعلة، من المرجح أن تعاني سوريا – والمنطقة ككل – من آثار الحرب الأهلية، والنزوح الجماعي، والاتجار بالأسلحة، وتهريب المخدرات.

وتشير الصحيفة إلى أنه «لدى معظم شركاء الولايات المتحدة وحلفائها – وخاصة تركيا والسعودية – مصلحة راسخة في استقرار سوريا في ظل حكم الرئيس أحمد الشرع، إلا أن ترددهم وعدم يقينهم بشأن كيفية التعامل مع نقاشات السياسات المعقدة يمنعهم من اتخاذ إجراءات فعالة. ومن المستبعد جداً أن يسهم نهج «الانتظار والترقب» في إحداث تغيير إيجابي، وكلما طال أمد غياب الدعم الدولي الكافي لعملية الانتقال في سوريا، زاد احتمال تعرضها لموجات متزايدة من الاضطرابات.

وتقول: لدول الخليج دور في الاستفادة من مواردها المالية الكبيرة لدعم استقرار إقليمي أكبر، وفي الوقت نفسه، الحد من النفوذ الإيراني. وقد سددت السعودية وقطر مؤخراً ديون سوريا المستحقة للبنك الدولي والبالغة 15 مليون دولار، في محاولة لتسهيل عودة البلاد إلى النظام المالي العالمي.

وتضيف: لتحقيق أكبر أثر إيجابي، ينبغي على دول مجلس التعاون الخليجي أيضاً الشراكة مع تركيا لقيادة الاستثمار في الاقتصاد السوري وجهود إعادة الإعمار. ومن المرجح أن يسهم قرار ترامب رفع العقوبات عن سوريا في تخفيف قلق المستثمرين وتشجيع الشركات على العودة إليها.

وتطرقت «ناشيونال انترست» إلى إسرائيل ونهجها السلبي ضد سوريا، وتقول: إسرائيل تضغط على الولايات المتحدة لإبقاء حكومة الشرع ضعيفة ولامركزية. وبينما قد تعتقد إسرائيل أنها ستكون أكثر أماناً بهذه الطريقة – فقد ورد أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو طلب من ترامب عدم تخفيف العقوبات عن دمشق – إلا أن اندلاع حرب أهلية أو انتفاضة أخرى قد يؤدي إلى صعود نظام خطير إلى السلطة في دمشق، ما قد يؤدي إلى تداعيات وخيمة تشكل تهديداً ليس فقط لإسرائيل، بل للمنطقة بأسرها.

وتتابع: من المتوقع أيضاً أن يستفيد جيران سوريا من حكومة أكثر استقراراً واقتصاد سوري فعال. وتتمحور مصالح تركيا في سوريا حول أمرين: منع قيام دويلة كردية على حدودها الجنوبية، وتشجيع عودة بعض اللاجئين السوريين البالغ عددهم 3 ملايين لاجئ يعيشون في تركيا.

كما يوفر التقارب بين أنقرة والأكراد فرصة لعلاقة أقل عدائية بينهما. بالإضافة إلى ذلك، يشير الاتفاق الأخير بين دمشق والأكراد (على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية الكردية بالكامل في حكومة مركزية) إلى أن تركيا قد لا تحتاج إلى القلق بشأن منطقة حكم ذاتي تهدد أمن حدودها.

وتُعد هذه التطورات خطوات إيجابية تزيل العقبات المحتملة أمام إرساء استقرار طويل الأمد في سوريا. وقد وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رفع العقوبات الأميركية عن سوريا بأنه مثال يُحتذى به من قِبَل الدول الأخرى، مشيراً إلى التزام تركيا بالشراكة مع دمشق في جهود مكافحة الإرهاب.

وتؤكد الصحيفة الأميركية أنه ينبغي على تركيا اغتنام هذه الفرصة لتقديم التمويل والتدريب والدعم العسكري لدمشق لدعم جهودها الرامية إلى توحيد الجماعات المسلحة العديدة في البلاد في جيش مركزي. وهذا بدوره سيضمن جاهزية الدولة المركزية بشكل أفضل لمنع العنف ومواجهة الوجود المستمر لتنظيم داعش، ما يهيئ بيئة أكثر أماناً للاجئين السوريين وللاستثمارات التجارية التركية على حد سواء.

وتضيف: بفضل الدعم المالي من الشركاء الأميركيين، يُعدّ أكراد شمال شرق سوريا عنصراً أساسياً في منع عودة ظهور داعش. وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية حالياً على السجون ومراكز الاحتجاز التي تضم عشرات الآلاف من مسلحي داعش المشتبه بهم وعائلاتهم، ما يجعلها عنصراً أساسياً في استقرار سوريا على المدى الطويل.

لكن بعد عقود من التهميش في عهد الأسد، يسعى الأكراد إلى ضمانات بحماية حقوقهم واحتفاظهم بقدر من الاستقلالية التي اكتسبوها خلال حرب الأعوام الـ14 الماضية.

تحتفظ الولايات المتحدة حالياً بنحو 2000 جندي في شمال شرق سوريا، ينفذون عمليات مكافحة إرهاب منتظمة في محاولة لمنع عودة داعش. وفي نيسان الماضي أعلنت إدارة ترامب عن نيتها خفض عدد القوات الأميركية المتمركزة في شمال شرق سوريا بشكل كبير.

وتُعد هذه خطوة غير حكيمة في وقت حساس، إذ تفترض أن القوات الكردية المحلية والجيش العربي السوري يمتلكان المهارات والموارد الكافية لصد تهديد داعش دون الاعتماد على الدعم أو التمويل الدولي.
وتشير الصحيفة الأميركية إلى أن الشرع ضمن للأكراد كامل حقوقهم السياسية والدستورية، لكن تفاصيل الدستور السوري المستقبلي وهيكلية الحكومة ستستغرق وقتاً. وفي غضون ذلك، فإن مخاطر عودة ظهور داعش حقيقية، وينبغي أن يكون إيجاد حل سريع ودائم لمشكلة الاحتجاز والمقاتلين الأجانب في شمال شرق سوريا أولوية. ويتعين على دمشق والأكراد العمل معاً، ويفضل أن يكون ذلك بدعم من واشنطن، لإنشاء قنوات دبلوماسية تُمكّن الدول من استعادة مواطنيها ومعالجة الثغرات القانونية المتعلقة بالجنسية والملاحقة القضائية.

وترى الصحيفة أنه من المصلحة الاستراتيجية للولايات المتحدة مواصلة التعاون الفعّال مع دمشق بطريقة تشجع الشرع على الاعتماد على الغرب للحصول على الدعم الاقتصادي.

وأمام دمشق نفسها الكثير من العمل لإعادة إعمار سوريا. ويعتمد ما يقرب من 70% من السكان على المساعدات الإنسانية، وقد تضرر اقتصاد البلاد بشدة من جراء 14 عاماً من الحرب، كما يحتاج الشرع  إعطاء الأولوية لتعزيز الأمن والاستقرار، لتحسين ظروف المواطنين السوريين وإثبات أن البلاد قد تجاوزت منعطفاً حقيقياً.

وتقول ناشيونال انترست: اعتمد الشرع حتى الآن على استراتيجية تواصل وحوار مستمرين؛ وسيظل هذا الأمر بالغ الأهمية في سعي دمشق إلى إعادة بناء علاقاتها مع جيرانها والقوى العالمية الكبرى بعد فترة عزلة طويلة. ويُعد اجتماعه مع الرئيس ترامب في الرياض إنجازاً مهماً، ومن المرجح أن يُطمئن الدول الأخرى التي تناقش مخاطر ومزايا إعادة التواصل مع سوريا.

كما يتضح من تداخل المصالح، بل وتضاربها في كثير من الأحيان، لعشرات الأطراف الفاعلة طوال سنوات الحرب المرهقة، أن ما سيحدث لاحقاً في سوريا ستكون له آثار واسعة النطاق تتجاوز حدودها. ونظراً لكثرة الجهات المعنية بمستقبل سوريا، فمن غير المرجح أن تتفق جميع الدول على أفضل السبل لدعم انتقالها، ولكن ليس من الضروري أن يتفقوا على ذلك، إنما ينبغي على كل دولة على حدة أن تستغل الزخم الذي أشعله انتهاء العقوبات الأميركية والأوروبية، وأن تبدأ بتسهيل شحنات المساعدات، وأن تدعم مبادرات الانتقال، مع التفكير النقدي في تحليل التكلفة والعائد لـ«انتظار» اللحظة المناسبة لمنع نشوب صراع جديد في سوريا، بشكل استباقي.

وتختم الصحيفة الأميركية بالقول: إن عدم دعم سوريا في هذه اللحظة المناسبة سيُضيع فرصة مهمة للمجتمع الدولي، الذي لا يستطيع فقط تخفيف معاناة الملايين وإعادة الأمل إلى بلد مزقته الحرب، بل أيضاً اتخاذ خطوات مهمة نحو استقرار منطقة لا تزال تعاني من الآثار السلبية لعقود من الصراع.

Leave a Comment
آخر الأخبار