نسبتهن تصل إلى 40%.. نساء سوريا يقتحمن عالم “البورصة” والمحافظ الاستثمارية

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية – بشرى سمير:
بدأنا نشهد في الفترة الأخيرة تحولاً كبيراً ومتزايداً في اهتمام المرأة بسوق الأوراق المالية (البورصة)، ولم يعد هذا المجال حكراً على الرجال، بل أخذت المرأة تحجز مكانها فيه، سواء كمستثمرة محترفة، أو كمتداولة هاوية تسعى لتنمية مدخراتها.
يمثل هذا الدخول نقلة نوعية، يحمل في طياته إيجابيات عدة، لكنه لا يخلو أيضاً من سلبيات وتحديات في ظل الظروف التي تمر بها البلاد وعدم استقرار سعر الصرف.

خبير اقتصادي: ظاهرة إيجابية تعكس تمكينها الاقتصادي واستقلاليتها المالية

تقول وصال البخاري- سيدة أعمال، عندما بدأت بدخول عالم البورصة واجهت رفض من قبل أهلها لاستمرار وجود بعض الأفكار المجتمعية التقليدية التي تشكل عائقاً أمام المرأة، حيث ينظر البعض إلى استثمارات البورصة على أنها محفوفة بالمخاطر أو غير مناسبة لها.. قد تواجه المرأة ضغوطاً اجتماعية أو حتى عائلية تثنيها عن خوض هذه التجربة، خوفاً من الخسارة أو من نظرة المجتمع.
من جانبها مروة محمود لفتت إلى أن المرأة عموماً تنقصها المعرفة والوعي المالي، ويعتبر ضعف الثقافة المالية أحد أكبر التحديات التي تواجه جميع المستثمرين الجدد رجالاً ونساءً. فغياب الخبرة الكافية في أدوات التحليل وقراءة السوق قد يعرض المدخرات للخطر.
كما أن قلة المصادر التدريبية المتخصصة والموثوقة باللغة العربية يزيد من صعوبة المهمة.

ظاهرة إيجابية

الخبير الاقتصادي عرفان الصباغ أشار إلى أن دخول المرأة السورية عالم البورصة، ظاهرة إيجابية تعكس تطور دورها في المجتمع وحرصها على مواكبة متغيرات العصر.
وأضاف في تصريح لـ”الحرية”: ورغم التحديات والصعوبات التي قد تبدو جسيمة إلا أن الفرص المتاحة لا تقل أهمية، النجاح في هذا المضمار يتطلب وعياً ذاتياً بأهمية هذه الخطوة، وسعياً حثيثاً لاكتساب المعرفة، وتخطيطاً محكماً لإدارة المخاطر.
وخاصة مع وجود جملة من التحديات التقنية واللوجستية التي تشكل عائقاً، مثل ضعف خدمات الإنترنت في بعض المناطق، أو صعوبة الوصول إلى منصات التداول الحديثة بالإضافة إلى ذلك، قد تواجه المرأة صعوبات في التنقل لحضور الندوات أو مقابلة الوسطاء الماليين بسبب الظروف الأمنية والاجتماعية.

صباغ: 35% إلى 45% نسبة النساء العاملات في بورصة دمشق من إجمالي العاملين

الصورة النمطية

ولفت الصباغ إلى أنه على عكس الصورة النمطية التي قد ترسم قطاع المال والأسهم كمعقل ذكوري، تشير الإحصاءات والتقارير الصادرة عن بورصة دمشق إلى أن نسبة النساء العاملات في البورصة السورية تتراوح بين 35% إلى 45% من إجمالي العاملين في هذا القطاع، هذه النسبة تعتبر متقدمة نسبياً مقارنة بالقطاعات الاقتصادية الأخرى في سوريا، بل قد تفوقت في بعض المراحل على نظيراتها في بعض الأسواق المالية العربية الناشئة.
مشيراً إلى أن حضور المرأة لا يقتصر على الأدوار الإدارية المساندة فحسب، بل يمتد ليشمل وظائف قلب العمل في السوق المالي. فهن يعملن كـوسيطات أسهم مرخصات، ومحللات مالية، ومديرات للاستثمار، ومسؤولات عن متابعة حركة التداول وإعداد التقارير، هذا التفاعل المباشر مع أدق تفاصيل السوق يؤكد كفاءتهن وقدرتهن على فهم التعقيدات المالية.
كما أن هناك تزايداً مطرداً في عدد النساء السوريات اللواتي يفتحن محافظ استثمارية في البورصة، موضحاً أن الدوافع هذا الاتجاه متنوعة، بين السعي لتحقيق عوائد مالية في ظل ظروف اقتصادية صعبة، والرغبة في تنويع مصادر الدخل، أو حتى كشكل من أشكال الاستقلال المالي.
منوهاً بأن البورصة السورية شهدت وجود نساء في مناصب إدارية متوسطة وعليا، ما يعكس ثقة المؤسسة بقدراتهن القيادية وإدارتهن.
ولفت الصباغ إلى أن نجاح الكثير من السيدات في هذا المجال يعكس التمكين الاقتصادي والاستقلال المالي للمرأة فهو يمنحها فرصة لزيادة دخلها، وتحقيق استقلاليتها المالية، ما يعزز ثقتها بنفسها ويوسع خياراتها الحياتية، ففي ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، أصبحت الاستثمارات البديلة وسيلة حيوية لمواجهة التضخم والحفاظ على قيمة المدخرات.

الوظيفة التقليدية

من جهة أخرى، يضيف صباغ، لم تعد الوظيفة التقليدية أو المشروع الصغير المصدر الوحيد للدخل. فالبورصة تفتح آفاقاً جديدة لتنويع المحفظة الاستثمارية، ما يقلل المخاطر ويزيد من فرص تحقيق أرباح إضافية، خاصة مع تراجع القدرة الشرائية للرواتب.
إضافة إلى تنمية المعرفة والمهارات الشخصية، إذ يتطلب الاستثمار في البورصة تطويراً مستمراً للمعرفة في مجالات الاقتصاد، والتحليل المالي، وقراءة المؤشرات، هذا يسهم في صقل مهارات المرأة التحليلية واتخاذ القرار، ويزيد من وعيها بالشؤون المالية المحلية والعالمية، ما ينعكس إيجاباً على حياتها الشخصية والمهنية.
ومن الناحية الاجتماعية يساهم نجاح المرأة في هذا المجال المعقد في كسر الصورة النمطية التي تقيدها في أدوار تقليدية محددة كما أن مشاركتها الفاعلة تدعم الاقتصاد الوطني من خلال ضخ استثمارات جديدة، وتشجيع الادخار والاستثمار بدلاً من الاستهلاك ما ينعش السوق المالي ويسهم في عملية إعادة الإعمار.

برامج توعية وتدريب مخصصة

وأكد الصباغ أهمية تقديم الدعم للمرأة عبر تقديم برامج توعية وتدريب مخصصة سيسرع من عملية اندماجها بفاعلية في سوق المال، ما ينعكس إيجاباً عليها كفرد وعلى أسرتها وعلى الاقتصاد الوطني ككل فالاستثمار الناجح ليس مجرد مضاربة على الأسهم، بل هو استثمار في الذات والمستقبل، كما تعمل البورصة السورية في إطار اقتصاد يعاني من آثار الحرب، بما فيها من ارتفاع معدلات التضخم، وضعف السيولة، وتقلب الأسعار بشكل حاد.. هذه العوامل تزيد من درجة المخاطرة وتجعل عملية اتخاذ القرار الاستثماري أكثر تعقيداً، حتى بالنسبة للمستثمرين المحترفين.

استثمار في رأس المال البشري

وختم بالقول: تمثل نسبة النساء العاملات في البورصة السورية نموذجاً مشرقاً ونسبياً في بيئة اقتصادية صعبة، وهذا دليل على قدرة المرأة السورية على اقتحام المجالات المتخصصة وإثبات كفاءتها. هذا النجاح، رغم كل التحديات، هو استثمار في رأس المال البشري يجب تعزيزه، فالمستقبل الاقتصادي لأي بلد يحتاج إلى طاقاته كاملة دون تمييز، وتشجيع المرأة ودعمها في قطاع حيوي مثل سوق المال ليس خياراً ترفياً، بل هو ضرورة للبناء والتعافي.

Leave a Comment
آخر الأخبار