نعمة للمستهلك ونقمة على المزارع.. أسعار الخضار الصيفية ترزح تحت وطأة وفرة العرض مقابل الطلب

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية – عمار الصبح:

في مشهد يعكس غزارة إنتاج الخضار الصيفية في محافظة درعا، تكاد حركة الشاحنات التي تنقل الخضار من مناطق الإنتاج الرئيسة إلى أسواق المحافظة وإلى سوق الهال المركزي بدمشق لا تهدأ وعلى مدار الساعة، فيما تضاعفت أعداد السيارات الجوالة التي تجوب مدن وبلدات المحافظة لبيع الخضار بكافة أصنافها، في محاولة لتصريف أكبر قدر ممكن من فائض الإنتاج، واختصار تكاليف النقل إلى الأسواق التي باتت تشهد تدفقاً كبيراً لأغلبية أصناف الخضار الصيفية تزامناً مع موسم الذروة.
يجري ذلك في وقت ترافقت فيه الوفرة في الإنتاج وكثرة العرض، مع انخفاض واضح وكبير في الأسعار التي يخشى المزارعون أن تتدنى إلى ما دون حدّ التكلفة.

مزارعون: الأسعار بوضعها الحالي مجحفة بحقنا ولا تحقق الحد الأدنى من الأرباح

مبررات

“الحرية” نقلت عن كثير من مزارعي المحافظة تأكيدهم أن الأسعار التي سجلتها أصناف الخضار في الأسواق موخراً لا تتناسب مع التكاليف الباهظة التي تكبدوها، وهي وإن كانت – أي الأسعار – نعمة على المستهلك بتكاليفها المقبولة عليهم، فإنها بالمقابل غدت نقمة على مزارعيها الذين، ورغم الخسائر المتكررة، ما زالوا يعللون النفس بإجراءات تضمن عدم خروجهم من “كار” الزراعة مستقبلاً.
ويصف المزارع نايف عبد الرحيم الأسعار الحالية لأغلبية أصناف الخضار بـ”المجحفة” والتي تأتي على حساب تعب المزارع، مضيفاً: إنّ سعر كيلو الخيار مثلاً ومن النوع الأول يباع من أرض المزارعين بـ١٥٠٠ ليرة فقط، ومثله للكوسا، في حين أن تكلفة الكيلو الواحد تتجاوز هذا الرقم، ويمكن القياس على ذلك لبقية الأصناف الأخرى.
وأضاف عبد الرحيم: “المزارع بات الحلقة الأضعف في العملية الإنتاجية التي لم تعد مجدية للكثيرين منهم، في وقت يحصد التجار النصيب الأوفر من المرابح و”على البارد المستريح” حسب وصفه.
وفي معرض رده على سؤال حول فرضية أن الأسعار تبدو قريبة من أسعار المواسم السابقة، إذا ما أخذنا بالحسبان تبدلات سعر صرف الدولار وتحسن قيمة الليرة السورية، أشار المزارع إلى أن الفرضية تبدو صحيحة إلى حدٍّ ما، لكنها لا تنطبق على خصوصية ما جرى في الموسم الحالي، فأغلبية المزارعين كانوا جهزوا أنفسهم للموسم باكراً، واشتروا مستلزمات الإنتاج من بذار وأسمدة وبذار ودفعوا أجور الأراضي، وكل ذلك على أساس الأسعار القديمة، حيث كان الدولار يعادل أكثر من ١٥ ألف ليرة.

مشجع ولكن!

وفي الوقت الذي لاقى فيه قرار وزارة الاقتصاد وقف استيراد عدد من أصناف الخضراوات ترحيباً من المزارعين، فإنهم في الوقت نفسه اعتبروه غير كافٍ لتحقيق الاستقرار في الأسعار يضمن حقوق المزارعين ويحفزهم على الاستمرار في الزراعة والإنتاج المحلي، وخصوصاً أنه، ورغم مرور أكثر من عشرة أيام على بدء تطبيق القرار، لا تزال الأسعار على حالها والسبب هو وفرة العرض مقابل الطلب.

ترحيب بقرار وقف الاستيراد.. ومطالب بفتح منافذ جديدة لتصدير الفائض في الإنتاج

وأشار المزارع خالد الرمان إلى أن القرار جاء في توقيت مثالي، نتيجة وجود وفرة كبيرة في الأسواق المحلية من أغلب الخضراوات الصيفية، ما يجعل الاستيراد غير ضروري في هذه المرحلة، لكن وحسب قوله، “يحتاج الأمر إلى إجراءات أخرى كتحريك أكبر للتصدير وفتح منافذ جديدة لتصريف الفائض بأسعار مقبولة تضمن ربحاً ولو بسيطاً للمزارعين لضمان عدم تعرضهم الخسائر متفاقمة”، لافتاً إلى أن مشهد إغراق السوق بالخضار المحلية يبدو مؤلماً للمزارعين، و خصوصاً مع اقتراب موعد جني محصولي البطاطا والبندورة بإنتاجية عالية تفوق حاجة السوق المحلية.
ووفقاً للأرقام، فمن المتوقع إنتاج ما يقرب من ٦٠ ألف طن من محصول البطاطا و٣٠٠ ألف طن من البندورة وحوالي ٧٠٠٠ طن من الخيار ومثلها من محصول الكوسا.
وسجلت حركة صادرات الخضار والفواكه ارتفاعاً ملموساً مؤخراً، فقد ارتفع عدد الشاحنات المبردة الخارجة يومياً إلى 44 براداً، وفقاً لأرقام كشفتها صحيفتنا “الحرية” يوم أول أمس نقلاً عن عضو لجنة تصدير الخضار والفواكه في سوق الهال بدمشق محمد العقاد، والذي بين أن الشاحنات تحمل فواكه صيفية متنوعة، أبرزها الكرز والمشمش والدراق والخوخ، إضافة إلى البطاطا والبندورة، وكميات قليلة من الحمضيات.
وأشار إلى أن هذه المواد تصدر إلى دول (السعودية -قطر -الكويت والإمارات -البحرين – سلطنة عمُان)، عبر معبر نصيب الحدودي مع الأردن، معتبراً أنّ التصدير لن يؤثر في توافر تلك المواد في السوق المحلية بسبب وجود فائض كبير في كميات الإنتاج.

ما الحل إذاً؟

ويظل عدم التناسب بين العرض والطلب أحد أهم المشكلات التي تواجه القطاع الزراعي، والتي باتت تحتاج إلى حلول عملية وجذرية تضمن حقوق المستهلك والمزارع في آن معاً.
ويرى متخصصون في الشأن الزراعي أنّ المسألة تحتاج إلى تنظيم أكبر لجهة توفير قاعدة بيانات تأخذ في حساباتها تقدير حاجة السوق المحلية من أصناف الخضار المختلفة، وكذلك الكميات التي يمكن تصديرها أو القابلة للتصنيع محلياً، ومن ثم وضع الخطط الزراعية التي تناسب إنتاج هذه الكميات من دون زيادة مفرطة قد تحدث خللاً في معادلة العرض والطلب، والأهم، كما يشير متخصصون، إلزام المزارعين بمساحات محددة وعدم تجاوزها، وبما يتوافق مع الاحتياج المائي الذي لم يعد يسمح بمزيد من التوسع في زراعة الخضار الصيفية.

Leave a Comment
آخر الأخبار