الحرية- سناء يعقوب:
نترحم على زمن كان فيه للنظافة طعمٌ وشكل آخر! نترحم على عادات شعب كان يعتقد أنه لو نظف كل إنسان أمام بيته لصارت بلادنا نظيفة جميلة!
اليوم تردنا شكاوى عديدة عن مناطق وحارات صارت مكبات للنفايات، وعن تقاعس العديد من البلديات عن القيام بواجبها، عدا عن دخول عمال النظافة على خط من ينبشون الحاويات، بحثاً عن الألمنيوم والزجاج والبلاستيك، وكأنهم في سباق لنيل الجوائز، بينما يكون نصيب الشارع وسكانه بعثرة القمامة في كل مكان!
لا شك في أن القمامة تسهم في تلوث البيئة وانتشار الأمراض، ولكن في حال تم استثمارها وإعادة تدويرها، فإنها تدر الأرباح الوفيرة، ما يجعلنا بأمسّ الحاجة لتشجيع الاستثمار في مجال تدوير النفايات وإقامة مصانع لهذه الغاية.
ما هي النفايات البلدية؟
في تعريف الخبراء: النفايات البلدية هي المواد الصلبة وشبه الصلبة غير الخطرة التي تنتج عن المناطق السكنية، مثل النفايات المنزلية والنفايات التجارية والصناعية وعمليات البناء والهدم، والتي يتم التخلص منها باعتبارها عديمة النفع أو غير صالحة للاستعمال.
وفي مفهوم الناس تلك النفايات وتجمعها في الحاويات وما حولها يشكل تهديداً مباشراً للصحة والسلامة، وخاصة مع بقائها في الكثير من المناطق لعدة أيام وعدم التخلص منها بشكل سليم.
اليوم يواجه المعنيون بالنظافة مشكلة جدية في معالجة مشكلة النفايات وترحيلها بشكل يومي. وهنا قد نسأل: أليس هناك من تقنيات متطورة للتخلص من تلك النفايات؟
النفايات لم تعد عبئاً على الأفراد والمجتمع، كما يبين المهندس الخبير رياض قابقلي لصحيفة الحرية، فقد أصبحت مورداً يمكن استعماله واستثماره بدلاً من دفنه أو حرقه، وهذا يتماشى مع مبدأ التنمية المستدامة الذي يدعو إلى التوازن بين البيئة والتنمية، من خلال الاستغلال الأمثل للموارد والإمكانات المتاحة لضمان استمرار التنمية بما يخدم احتياجات الأجيال الحالية ومن دون الإضرار بمتطلبات الأجيال القادمة، وخاصة أن المطامر شارفت على الامتلاء ولم تعد تكفي، وازداد الزحف السكاني خارج حدود المدن، ما يحد من القدرة على إقامة مطامر جديدة.
لذلك، فإن الحل – حسب ما يرى المهندس قابقلي – التفكير بجدية في إدارة هذه النفايات بغية الاستفادة منها، ولاسيما أن المكبات العشوائية تسبب تلوثاً للتربة وللمياه الجوفية والسطحية، وذلك بسبب عدم وجود إجراءات حماية لمنع التلوث، وعدم وجود عملية جمع ومعالجة للمياه الراشحة والغازات المنطلقة. لذلك تنطلق الغازات والروائح الناتجة عن المكبات إلى المحيط الخارجي، وتتم عملية احتراق النفايات في أكثر الأحيان تلقائياً ، إضافة إلى ذلك تشكل المكبات العشوائية مناخاً خصباً لتكاثر الحيوانات والقوارض والحشرات ضمن منطقة المكب.
الإدارة المتكاملة
عبر عقود طويلة كان الحديث الدائم عن الإدارة المتكاملة للنفايات البلدية الصلبة، وفي الواقع ليس هناك من خطوات جدية للحدّ منها وإعادة الاستخدام و التدوير، ولكن كيف تتحقق تلك الخطوات؟
يشير المهندس قابقلي إلى أن أفضل طريقة لتخفيض كمية وسمية النفايات من المصدر، تكمن في استعمال مواد أقل في تصنيع المنتجات، تكون قابلة للتحلل مثل البلاستيك القابل للتحلل.
يضاف إلى ذلك تخفيض كمية مواد تغليف السلع والمنتجات، وإعادة استعمال المواد والمنتجات بشكل مباشر في المصدر، كالطباعة على وجهي الورق، والتبرع بالملابس وغير ذلك من الأغراض المنزلية القديمة أو غير المرغوب فيها إلى الجمعيات الخيرية أو من يحتاجها.
إعادة تدوير النفايات
يبدو أن تخفيض كمية وخطورة النفايات من المصدر من حيث المبدأ سهلاً، ولكن تحقيقه فيه صعوبة، لغياب الوعي والتعليم والسلوك الاجتماعي والمستوى الثقافي.
يوضح المهندس قابقلي أنّ المقصود بإعادة تدوير النفايات، هو فرز بعض مكونات النفايات وإعادة تصنيعها أو معالجتها لإنتاج نفس المادة أو منتجات أخرى، مثل المواد المحسنة للتربة والغاز الحيوي ووقود لإنتاج الطاقة وبعض المواد الكيميائية العضوية (مثل الميثانول والإيثانول). ويعد الورق، والورق المقوى، والزجاج، والألمنيوم والحديد والفولاذ والبلاستيك من أهم مكونات النفايات الممكن إعادة تصنيعها، والهدف من ذلك تقليل كمية النفايات المطلوب التخلص منها، ما يوفر مساحات كبيرة من الأراضي اللازمة لدفن النفايات، وتقليل استهلاك المواد الخام في عمليات تصنيع المواد والمنتجات، وكذلك استهلاك الطاقة في عمليات التصنيع والإنتاج، فإعادة تدوير الورق والبلاستيك توفر حوالي 80% من الطاقة اللازمة لصناعتها من المواد الخام.
إعادة التدوير
الخلاصة التي يمكن استنتاجها، أنه يمكن التخلص من النفايات الصلبة المنزلية بعيداً عن السكان ومن دون مشكلات اجتماعية، من خلال ردم المخلفات الصلبة المنزلية خارج نطاق المدن، ولكن الحل الأمثل يكمن في إعادة تعريف المخلفات الصلبة المنزلية على أنها مصدر لمواد أولية، يمكن إعادة استخدامها لإقامة صناعات متنوعة تلبي حاجات السوق، وهذا يتحقق بفصل المواد من المصدر وحتى من ضمن المنازل، وتعرف هذه العملية بإعادة التدوير.
حسب خبرته، يرى المهندس قابقلي أنّ التخلص الآمن من النفايات يحتاج إلى عناء ودراية وتكاليف باهظة، يتهرب منها معظم المسببين لها، ويتركون النفايات عبئاً ثقيلاً على البيئة والمجتمع، لذلك من الضروري إحداث قوانين بيئية تهدف إلى التخلص الآمن من النفايات، وتلزم منتجيها بتحمل التكاليف. كما نحتاج إلى منهجية إدارية وكادر مؤهل ومدرب، ومراقبة أداء كافة الأجهزة الفنية والإدارية والبلدية وجميع منتجي النفايات من منتجين ومستهلكين، بالإضافة إلى استخدام المعدات الهندسية والتكنولوجيا الحديثة في جمع ومعالجة النفايات لتحقيق التنمية المستدامة.