نقاط مضيئة في سفر التراحم السوري .. مبادرات مجتمعية تنتظر الدعم

مدة القراءة 8 دقيقة/دقائق

الحرية – إلهام عثمان:

تواجه العائلات في الريف السوري تحديات جسيمة، ما أدى لاكتظاظ المنازل في القرى بحيث أصبح البيت الواحد يتسع لأكثر من أربع عوائل، في الوقت الذي ترتفع فيه أسعار المواد الأساسية، وباتوا يعيشون بلا دخل ثابت ما يزيد من الضغط على الموارد المتاحة خاصة الخبز، الذي يعتبر حاجة ملحة، ما يعكس قيم التعاون والتكافل الاجتماعي في مواجهة الأزمات.

عفيف: يجب أن نبدأ من التنظيم المجتمعي الذي يحدد حالات المجتمع واحتياجاته

خبزة من ربطة
ومع تزايد هذه الصعوبات، ووفق رأي الخبير أكرم عفيف مؤسس مبادرة المشاريع الأسرية السورية التنموية والمجموعات المتفرعة عنها في تصريح لـ “الحرية”، انطلقت مبادرات مجتمعية عدة تهدف إلى دعم الأسر المتضررة والتي فقدت وظائفها، كان أولها وأبرزها مشروع “خبزة من ربطة”، وآخرها كاسة زيت من كل منزل, والذي تقوم فكرته على جمع خبزة واحدة من كل أسرة في القرية، والتبرع بها للأسر المحتاجة، ويضيف: تمكنا من جمع 200 ربطة خبز لدعم 168 أسرة غير قادرة على شراء هذه السلعة الأساسية، أما الأسر التي عدد أفرادها فوق 6 أشخاص فيتم منحهم 2 ربطة خبز، لافتاً إلى أن هذه المبادرة “الرغيف” توسعت لتشمل 300 مجمع سكني.

مبادرة “الكيلو”
وفيها يجمع من منزل في القرية “كيلو واحد فقط”، من الحبوب كالبرغل أو العدس، و من المؤونة الزيتون والمكدوس وزيت الزيتون، أو المحاصيل الموسمية مثل الفول، وبعضهم شارك بطبق.
بينما ساهم البعض الآخر بمبالغ مالية تتيح شراء ما نقص من مواد أساسية، من السكر والأرز وغيره، ليتم جمع هذه التبرعات في سلة غذائية تتكون من مزيج محلي من المنتجات التي تم التبرع بها، إلى جانب المواد التي تم شراؤها، ما يضمن توفير احتياجات العائلات المتضررة، ليتم توزيع هذه السلال على الأسر المتضررة.

مبادرات حكومية
وأشار عفيف بالنسبة للمبادرات الحكومية الممكن تنفيذها، يعتبر تمويل عملية الإنتاج الزراعي في المنطقة ضرورة ملحة، خاصة في ظل التحديات التي يواجهها المزارعون، بسبب عدم قدرتهم على شراء المازوت اللازم لسقاية المزروعات، حيث يحتاج كل دونم بين 5 إلى 10 ليترات من المازوت، بما يعادل حوالي 100 ألف ليرة سورية، وهو مبلغ يتزايد مع زيادة عدد الدونمات.
لافتاً إلى أنه في ضوء هذه الظروف، قد يكون من الضروري اللجوء إلى دعم أفراد أو جهات تمويلية، لتوفير المساعدة اللازمة لإنقاذ المواسم الزراعية من الانهيار.

زراعات تعاقدية
تظهر الأرقام أن الدعم الحكومي في هذا السياق يمكن أن يكون فعالاً، خاصة بالنسبة للزراعات التعاقدية، مضيفاً: إنه وعلى سبيل المثال، تم بيع الفول “اليابس” بسعر 3500 ليرة سورية، ما يجعل الفلاح في موضع خسارة، حيث لا يمكنه زراعة هذا المحصول بلا دعم حقيقي.
لذلك، من الضروري اتخاذ خطوات عاجلة لضمان استدامة الزراعة وحماية المزارعين في المنطقة، مضيفاً: ما جعلنا نعمل على زراعات عمل تعاقدي من جهات تشتري المحاصيل “قبل” زراعتها، لتعرف ماذا تشتري قبل ان تزرع، معتبراً هذه الخطوة من خطوات الدعم الإسعافي والإغاثي.

مشاريع لاحقة
وقال عفيف: كون قرية حورات عمورين تعتمد على قطف أوراق الغار، قمنا بإنشاء مشاريع صغيرة لاحقة، وهي تزويد العوائل المحتاجة بالغار لقطفها وإعادتها ومن ثم بيعها، ما يتح لهم تحقيق مردود مادي يبلغ حوالي 50 ألف ليرة سورية يومياً، وبالتالي أصبحت تلك العوائل قادرة على تأمين قوت يومها.

عدم استقرار
ومع ذلك، تبقى هناك معوقات عديدة، وفق رأي عفيف وأهمها، عدم استقرار الوضع الأمني، الذي يؤدي إلى تقييد حركة العمل، وتعرض بعض المناطق للسرقات بمختلف أشكالها، آملاً مستقبلاً بتحسين الوضع الاقتصادي وبلوغ الاستقرار الذي يعد أمراً ضرورياً وملحاً، حيث سيساهم ذلك في توفير بيئة ملائمة لزيادة الإنتاج وتوسيع نطاق المشاريع التي تضمن حياة كريمة للعوائل.

حليب وماعز
وأضاف الخبير التنموي: كما نقوم بتوفير المواشي من الأبقار أو الماعز كرأس مال للأسر التي تعاني من العوز، حيث تعطى لكل عائلة ماعزاً أو بقرة والتي تنتج وبشكل يومي حوالي 25 كيلوغراماً من الحليب، ما يوفر للأسرة مصدراً ثابتاً للدخل.
هذا الإنتاج من الحليب لا يساعد فقط في تحسين الوضع الاقتصادي لتلك الأسرة، بل يمكن أيضاً استرداد ثمن رأس الماشية بعد فترة من الزمن، وذلك ببيع الحليب وبالتالي، يمكن استخدام العائد لإعادة إعالة أسرة أخرى بحاجة للدعم.
ويضيف: كان عدد مربّي المواشي في “حورات عمورين”، حوالي 30 شخصاً، بينما اليوم ارتفع العدد ليصل إلى 500 – 1000 شخص، هذا التحول يظهر كيف تؤثر الأزمات الاقتصادية على أنماط الحياة في المجتمعات المحلية.
مبادرة الصندوق الدوار
يعتبر إحدى المبادرات البارزة، ويهدف إلى جمع التبرعات لإنشاء مشاريع صغيرة ومتعددة ومنها، شراء محرك ضخ للمبيدات الحشرية، والذي يبلغ ثمنه حوالي مليون ليرة، لمنحه فيما بعد لعائلة محتاجة للعمل عليه، للحصول على دخل يومي يصل إلى 50 ألف ليرة، ما يعني أن بإمكان المستفيد تسديد ثمن المحرك، وإعادته للصندوق في أقل من شهر.
بالإضافة للعمل على شراء معدات زراعية أخرى عبر هذا الصندوق، مثل “الحشاشة” وغيرها.

تنظيم مجتمعي
وقال عفيف: حالياً يجب أن نبدأ من التنظيم المجتمعي، والذي يحدد حالات المجتمع واحتياجاته حسب الأشد حاجة، ونحن لدينا تجربة جميلة في قريتنا درسنا الأسر المحتاجة وبلغ 168 أسرة، ثم قمنا بتحديد الأسر الأشد فقراً، والفريق المتطوع مكون من قرابة 30 شاباً وشابة، قمنا بتوزيع كل ثلاثة منهم على مجموعة لمعرفة الأكثر فقراً من الأسر، وبالتعاون مع الأهالي حصلنا على عشر مجموعات، كل مجموعة فيها 16-17 محتاجاً، لنحصل على عشر عوائل، هي الأشد فقراً، وهكذا حتى تم إحصاء جميع الأسر بمجموعات وهي الـ168 أسرة.
وسيتم الإحصاء قريباً، ليشمل جميع أسر القرية لنحدد أي الأسر أشد فقراً، ومن يحمل شهادة جامعية ومن لديه احتياجات.

احتياجات صحية
وتابع عفيف: كما قمنا بالدراسة ووجدنا في القرية حوالي 13 أسرة عاجزة عن تأمين الفوط صحية للعجزة لديهم، إلا أننا ووجدنا أحد المتبرعين من أهل الخير، والذي تعهد بالتبرع بشكل دائم لهم.
كما توجد مبادرة، يتبرع فيها أحد ما بالأدوية للأمراض المستعصية والمزمنة التي يحتاجها المريض بشكل دائم قلب وضغط، إذ إن هناك أشخاصاً أقلعوا عن تناول أدويتهم، لعدم قدرتهم على شرائها، وبالتالي أصبحت حياتهم مهددة.

تحويل الأزمات
وهنا يشرح عفيف الفرق بين المجتمعات الراقية والمتخلفة، حيث يتميز المجتمع الراقي بقيمه الأخلاقية وقدرته من خلال العمل على تحويل الأزمات إلى مبادرات إيجابية، لافتاً إلى أن معظم المجتمع السوري يعد مجتمع راقٍ، ما يستدعي تحويل المبادرات إلى فرص إنتاجية تساعد في تحسين الظروف المعيشية للأسر المحتاجة وتعزز التعاون والتضامن.
ومع نجاح هذه المبادرات، بدأت المبادرات بالتوسع أكثر بعد قرية حورات عمرين، لتشمل القرى المجاورة مثل قرى أبو فرج والحوائق ورسم الجرن واللطمة، حيث تعاون شباب القرى في تأسيس مبادرة خاصة بهم تدعم احتياجاتهم المحلية. مؤكداً أن هذا التعاون بين القرى يسهم في توفير النقائص، ما يخدم مصلحة الأسر المحتاجة بشكل فعّال، وتعكس هذه الجهود نمطاً من العمل الإنقاذي والإسعافي، حيث نعمل جاهدين على تلبية الاحتياجات العاجلة وتحسين الظروف المعيشية للأسر.
وختم عفيف: إن الرسالة التي تتبناها هذه المبادرات، تبرز أهمية العمل الجماعي الذي يتجاوز الحدود الجغرافية، لتخفيف الأعباء عن الأسر وتجسيد قيم التضامن داخل المجتمع والسير به نحو حياة أفضل.

Leave a Comment
آخر الأخبار