هاني السعدي.. عندما يكون الغياب مُعادِلاً للتغييب

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية-لبنى شاكر:

يَسهل الوصول إلى بيت هاني السعدي 1944-2025، بإمكانك أن تسأل جيرانه عن «أبو البنات» وستجد من يدلّك على بيت الكاتب والممثل الذي قدّم عام 1995 بالتعاون مع المخرج نذير عواد مسلسلاً عنوانه «أبو البنات» من بطولة الفنانين أسعد فضة ووفاء موصللي، استعارته دراما مصرية في عملٍ من تأليف أحمد عبد الفتاح وإخراج رؤوف عبد العزيز دونما أي إشارة إلى أن عملاً سورياً سبقها إلى الاسم!.

«الجوارح» و«الكواسر» و«البواسل» أيقوناتٌ دراميةٌ سوريّةٌ، حققت كلٌ منها نجاحاً لم يُقلل من شأن الأخرى

بعيداً عن الغبن الذي طال السعدي من زملائه المصريين، بدا الرجل يوم التقيناه قبل أعوام، عاتباً على نظرائه من أبناء البلد، لعلّ هذا سوّغ غيابه عن الساحة الفنية منذ زمن، هو الذي كان مضرباً للمثل بغزارة إنتاجه، ولاسيما أن الكتابة عمل يوميٌّ ووحيدٌ بالنسبة له، عدا عن قدرة لافتة على خلق شخصيات وأحداث مختلفة برغم تشابه بيئاتها، وهي ميزةٌ جعلت من أعمالٍ كتبها مثل «الجوارح» و«الكواسر» و«البواسل» أيقونات درامية سوريّة، حققت كلٌ منها نجاحاً لم يُقلل من شأن الأخرى، كما يُحسب له أيضاً تنوع كتاباته، ففي فتراتٍ بعيدة كتب للإذاعة والسينما، غير أن حضوره الأهم كان في عوالم الدراما التلفزيونية كتابةً وتمثيلاً.

يطول البحث فيما كتبه السعدي بين «الفنتازيا» والدراما الاجتماعية المعاصرة والتاريخية، ولا نبالغ لو قلنا إنه صنع عبر سنواتٍ أنساقاً درامية، سار عليها كتّابٌ ومخرجون عدّة، أشهرها ما برع به في عوالم «الفنتازيا»، التي وإن قلّ تقديمها على الشاشة في السنوات الأخيرة لكنها نالت متابعة واسعة من الجمهور المحلي والعربي، كونها اتكأت على تاريخٍ تتزاحم فيه البطولات والخيانات من جهة، وعلى صراعٍ دائمٍ يعيشه العربي بين ماضٍ لم يبقَ منه إلا الحسرة وحاضر مُبكٍ، هنا كان صاحب «البركان» و«الموت القادم إلى الشرق» مُتمكناً من تكوين حكايته الخاصة بما فيها من خبايا وإسقاطات.

كان السعدي سبّاقاً عندما كتب عن مرض «الإيدز» في وقتٍ كان مجرد ذكر اسمه غير مقبولٍ في المجتمع السوري

ولا يفوتنا ما كان سبّاقاً إليه أيضاً عندما كتب عن مرض «الإيدز» في وقت كان مجرد ذكر اسمه غير مقبول في المجتمع السوري، ولم يتردد في تقديم أسباب الإصابة على اختلافها، ثم مراحل تطور المرض وكيفية التعاطي مع المريض وضرورة الفحص، كل هذا كان بعيداً عن المجتمع الذي كثيراً ما عاقب المُصاب بدلاً من علاجه، فكانت أعمال مثل «حاجز الصمت»، «الخط الأحمر»، «عصر الجنون»، «أبناء القهر».

لماذا ابتعد هاني السعدي؟

لعلّ عتبه كان يُوازي غيابه، بعد أن تبدلت أخلاقيات الوسط الفني، وتوزعت مراكز القوى فيه بين أسماءٍ ووجهاتٍ إنتاجيةٍ محددةٍ، ليجد البقية أنفسهم خارج الساحة، والمشكلة أن هذه «البقية» لم تكن طارئة أو مستجدة، إنما على العكس تماماً، ومع ابتعاد الإعلام عن هؤلاء وانشغاله بما يظهر على السطح، يكون الغياب مُعادلاً للتغييب!.

في لقائنا ذاك، حكى لنا السعدي كيف انعكست عليه الظروف التي مرت فيها البلاد جسدياً ونفسياً، لكنه لم يتوقف عن الكتابة، وإن تباين ذلك بين الحماس والملل، ومع ذلك ظل يكتب محاولاً مقاومة الزمن بالكتابة. ومع بدء الثورة حاول الرجل كتابة أعمالٍ تتناولها بعيداً عن أي حلول مباشرة، مقابل التركيز على غياب مفاهيم صحيحة عن الشارع السوري حيث حلّت محلّها أخرى غريبة عنا، وهو ما لجأ إليه كثير من كتّاب الدراما السورية في تقديم نتائج الأزمة اجتماعياً، لأنها كما وصفها “على درجة من الأهمية لا يمكن تجاهلها”، ويبقى العمل المتابع جماهيرياً برأيه “ذاك القائم على المنطق والاحترام لمشاعر الناس، بما يتضمنه من مجريات لا تحتمل اللبس أو التأويل”.

أمضى السعدي معظم وقته في بيته مع عائلته، يضحك عندما يتذكر كيف ارتبط اسمه بعنوان مسلسله «أبو البنات»، سعيداً بأن يتفاعل الجمهور مع مسلسلاته كلما أعادت المحطات المحلية عرضها، ولم يكن لشيءٍ أن يُقلقه بعد عمر من العطاء، حقق خلاله نجاحات كبيرة، سوى أحوال السوريين، ولعلّهم بادلوه الاهتمام.

برع الراحل في “الفنتازيا” التي اتكأت على تاريخٍ تتزاحم فيه البطولات والخيانات 

شارك الراحل في مسرحيات: «حفلة سمر من أجل خمسة حزيران»، «رأس المملوك جابر»، وفي السـينما شاهدناه في أفلام: «حبيبتي يا حب التوت»، «الاتجاه المعاكس»، «الحدود»، «المتبقي». وفي التلفزيون: «أولاد بلدي»، «حصاد السنين»، «تجارب عائلية”.

أما أهم الأعمال التي كتبها في السـينما فيلم «ليل الرجال»، وفي التلفزيون: «حارة نسيها الزمن»، «الجوارح»، «خلف الجدران»، «غضب الصحراء»، «العنيد»، «آخر الفرسان»، «صراع الأشاوس»، «قتل الربيع».

الوسوم:
Leave a Comment
آخر الأخبار