الحرية- حنان علي:
عبر أوشحة الشاشة الخضراء وخيماتها المتناثرة نقلنا هاني السعدي إلى فضاءات سحرية وعوالم فنتازية آسرة مزجت بين الحكايات والأحداث غير المألوفة. هناك حيث انسجمت شخصياته مع أقدارها الجديدة، متجاوزة حدود الخيال.
من غيره الكاتب الأبرز بين فضاءات الخيال والدهشة؟ لا أزال أذكر صمت حارتنا الشعبية إلا من الأصوات الجهورية لأبطاله الأسطوريين، الصادحة بهمسات الأسرار ونبرات التحدي، وقصص الأطماع والحروب. كم كانت تلك الحكايات ملاذاً يأخذنا إلى أركان الشجاعة والحكمة واختبار الولاءات، القوة والهشاشة، الهزيمة والانتصارات. كل حلقة من مسلسلاته كانت بمثابة استكشاف لتجارب تتجاوز حدود الزمان والمكان، ورحلات إلى أعماق الروح الإنسانية.
رحلة فنان
مضت سنوات عمره الواحدة والثمانين، مسلمّاً آخرها للمرض، ملقياً بين أيادينا حكاية فنان رحل بذاكرة مفقودة إلا من النبل، استهلها هاني السعدي على الشاشة الكبيرة في فيلم “بوابة الغزلان” عام 1969، حيث شارك مع كوكبة من النجوم، أبرزهم المطربة سميرة توفيق. ومنذ ذلك الحين، توالت إبداعاته عبر العديد من الأعمال الدرامية والأفلام التي تركت بصمة لا تُنسى في ذاكرة المشاهدين، مثل “أسعد الوراق”، و”الحدود”، و”تجارب عائلية”، و”آخر الفرسان”، و”أبو البنات”، و”حارة نسيها الزمن”، وغيرها من الأعمال التي شكلت جزءاً مهماً من تاريخ الدراما العربية.
امتدت براعته الفنية إلى خشبة المسرح، حيث قدم أعمالاً مميزة مثل “حفلة سمر من أجل خمسة حزيران” و”رأس المملوك جابر”. كما دخل عالم الإذاعة بمجموعة من الأعمال المتنوعة التي لاقت استحسان الجمهور، ما أضاف إلى رصيده الفني.
ألق الكتابة
ثلاثة وثلاثون عاماً اكتفى فيها السيناريست السعدي من التمثيل ليتفرغ لكتابة العديد من الأعمال الإذاعية والسينمائية، والدرامية نذكر منها “حارة نسيها الزمن”، و”دائرة النار”، و”غضب الصحراء”، و”الكواسر”، و”البركان”، و”خلف الجدران”، و”الجوارح”، و”الموت القادم إلى الشرق”، و”الفوارس”، و”أبناء القهر”، و”حاجز الصمت”، و”الخط الأحمر”، و”عصر الجنون الأشاوش”، و”الأحرار”، و”أسياد المال”، و”خط النهاية”، و”قتل الربيع”.
تأثير عميق
بفضل التزامه بقضايا الناس، حرص السعدي على تقديم أعمال تحمل رسائل إنسانية عميقة، منتقداً الظواهر السلبية، مساهماً عبر كتاباته برفع الوعي العام وتعزيز القيم، ما جعله صوتاً مؤثراً في الساحة الثقافية. لا يمكن إنكار تأثير أعمال هاني السعدي بما يخص قضايا الفقر والفساد، مخاطره والشؤون التربوية، وما كرسه من قناعات بقدرة الفن على تغيير الآراء والحث على سلوكيات إيجابية ساعياً لإحداث نقلة نوعية بين فئات المجتمع المختلفة.
تكريم مُهمل
هاني السعدي، الذي فاته من التقدير الكثير، رحل قبل أن ينال حصته من التكريم الذي يليق بفنان وسيناريست متعدد المواهب مثله. لطالما عبر عن استيائه من جشع بعض الشركات الإنتاجية وما لحق بذلك من ركود لأعماله رغم جودة نصوصها وقوة مواضيعها.
لأي مدى ظلم هاني السعدي قبل أن يغلق عينيه على آخر الأوراق والآمال والذكريات، ويرحل تاركاً إرثاً فنياً لا يُنسى، وصورة وضاءة في قلوب محبيه وعشاق فنه !