سامي عيسى :
أمام هذا الكمّ الهائل من المنتجات الغذائية المطروحة في الأسواق اليوم، وانتشارها بصورة مخيفة، وسط رقابة ليست بالمستوى المطلوب، ولا حتى بأهميتها للحفاظ على الصحة العامة، يتبادر إلى الأذهان حشد من الأسئلة، والكثير من الاستفسارات، لكن أهمها غذاؤنا الى أين؟ صناعتنا الوطنية ما مصيرها؟ هل تمتلك مقومات البقاء وتوفير المطلوب من الغذاء والحفاظ على الصحة العامة..؟!
أسئلة برسم الجميع.. مواطنين كنا أم مسؤولين، لانستطيع تجاهلها، حقيقة تحتاج لإعادة نظر، تحمل هوية نشاط جديد، من خلال تبسيط الإجراءات وتنشيط قوانين الاستثمار الناظمة للتصنيع الغذائي، والتي على أساسها تم ترخيص الآلاف من المنشآت والورش الغذائية العامة والخاصة، وفق تكاملية تصنيعية تفرض خريطة واسعة الانتشار، يحمل مضمونها خبرات وكفاءات عالية المستوى، وفق اعتبارات حددت هويتها على مستوى سورية، وقدمت محفزات كثيرة لتشجيع النشاط الغذائي وتوسيع دائرته، والأهم وضع خارطة غذائية تضم في تركيبتها جميع مكونات وتنوع هذه الصناعة، وتحديد أماكن الانتشار الجغرافي بما يتوافق مع كل منطقة، والمواد الأولية والمستلزمات المتوافرة، والتي تحدد طبيعة المنتج الغذائي، وفق استراتيجية تسمح بتوسيع دائرة التنوع، وخاصة أن سورية تصنف من البلدان ذات الإنتاج الزراعي الغذائي والحيواني المتنوع والمتوافر، والذي يحظى بجودة عالية قلّ نظيرها في البلدان الأخرى.
لكن للأسف الشديد هذا القطاع دخل في متاهات الفوضى، ويحتاج لإعادة ترتيب من جديد، وخاصة بعد الخلل الكبير وحالات التشوه التي أصابت بنيته، وفرضت حالة تفكك وضعف انسجام في القطاعين العام والخاص، مع تسجيل حالات نمو سريعة للخاص على حساب العام، بدليل معظم الإنتاج المطروح في الأسواق من الصناعات الغذائية للخاص، علماً أن العام لديه شركات تصنيع استراتيجية، وبخطوط إنتاج عملاقة، تشكل حاملاً كبيراً للسوق المحلية في حال استثمرت بصورتها المناسبة..؟!
لكن المؤسف فإن هذه الشركات تراجع أداؤها وفقدت بوصلة إنتاجيتها، و تعيش اليوم واقعاً تصنيعياً في غاية الخطورة، تراجع في الإنتاجية، ونقص في العمالة الخبيرة، والكفاءة المتخصصة، رؤوس أموال معدومة، هروب للخبرات، حالات فساد وكميات كبيرة من الهدر في معظم مفاصل العمل، نقص الكادر الإداري المتخصص، وضعف الإدارات المتعاقبة التي شاركت في تخريب ما تبقى في الشركات، وفقدت وجودها في السوق المحلية، وبقي حضورها يقتصر على الماركات، ومرورها على مخيلة المستهلك كشريط من ذكريات الزمن الجميل.!
واقع ليس بالسهل، ولايمكن تجاهله في ظل ما نراه في الأسواق من منتجات وسلع بهويات مختلفة، وانتشار مشكوك فيه، أمام تراجع تلك الشركات العملاقة، لكن الحلول ليست مستحيلة، تفكر الحكومة جدياً بإنعاش صناعتها الغذائية، فهي لا تعدم الوسيلة، بل على العكس لديها الإمكانات المادية والبشرية التي تحقق ذلك، وما تحتاجه اليوم راس المال وتصويب الإدارات المتخصصة في التصنيع الغذائي، وتعيد إلى حضنها الكفاءات التي هربت للخاص واستثمرها للغاية نفسها، فكانت النتيجة انتشاراً واسعاً للقطاع الخاص، وتراجعاً لمنتجات الدولة، بدليل أين سمنة الغوطة التي عرفناها لعقود مضت، أين البان دمشق وحمص وحلب، والكونسروات والزيوت وغيرها كثير ممن تاهت بوصلتها الانتاجية..؟
بتصويب عمل هذه الشركات واستثمارها بالصورة الجديدة التي تسعى الدولة لتنفيذها اليوم، يمكن إنقاذ ما تبقى من التصنيع الغذائي الوطني، ومحاربة الهجوم الواسع على الأسواق المحلية بمنتجات مختلفة، تحمل الكثير من الخطورة على الصحة العامة، تدخل القطر بطرق غير شرعية، فغذاؤنا في خطر، حاولوا إنقاذه…!
Issa.samy68@gmail.com